ماركوس آشووورث
العودة إلى ممارسات وخدمات السبعينيات مؤشر على أن أسعار الذهب المرتفعة ليست طارئة
رسوم التخزين نسبة مئوية من قيمة السبائك، وتضاعف سعر الذهب جعل ذلك مربحاً جداً، ولو لم تعتقد البنوك باستمرار ارتفاع سعر الذهب لما قدمت خدمات تُعد التزاماً طويل الأمد، وطلب البنوك المركزية ارتفع بنسبة 28% خلال الربع الثالث، لكنه لم يتجاوز متوسط السنوات الـ5 إلا بفارق ضئيل.
الخلاصة
تعود البنوك الأمريكية الكبرى مثل سيتي غروب وجي بي مورغان إلى تخزين سبائك الذهب بسبب ارتفاع الطلب والاستثمار في الذهب كتحوط، فتخزين الذهب مكلف لكنه مربح، خاصة مع تضاعف قيمته منذ 2023، والبنوك المركزية تزيد مشترياتها، ويهيمن جي بي مورغان على السوق، مع تزايد الاهتمام بإدارة الثروات المرتبطة بالذهب.
لا شيء يثبت أن الذهب رائجٌ أكثر من خبر عن أن بنوكاً أمريكيةً كبرى تفكر في العودة إلى مجال تخزين سبائك الآخرين.
اندهشت للوهلة الأولى، إذ خُيّل إلي أنني أنظر إلى خبر من سبعينيات القرن الماضي، لكن معرفتي ببراعة زملائي في بلومبرغ نيوز، وبعد حديثي مع عدة مصادر، يبدو الأمر واقعاً، فـ”سيتي غروب حريصة على العودة إلى نشاطٍ ربما ما كان ينبغي لها تركه، وكثير من المؤسسات الكبرى الأخرى تسير على نفس النهج، فتخزين الذهب مكلفٌ جداً، إذ إن الخدمات اللوجستية، ناهيكم عن الأمن، مكلفةٌ بقدر مذهل.
إليكم رأي المتشكك، مقتبساً من وارن بافيت: “يُستخرج الذهب من الأرض في أفريقيا، أو في مكانٍ ما، ثم نصهره، ونحفر حفرة أخرى، وندفنه مرة أخرى، وندفع لأشخاصٍ ليقفوا حوله ويحرسوه، فليس له أي فائدة”، لكن لا يتفق الجميع على وجهة نظره القائلة: “إنه لن يفعل أي شيء بين الآن ونهاية العالم إلا أن يقبع أمامك”.
يتزايد إقبال العملاء على الاحتفاظ بالذهب كتحوط لمحافظهم الاستثمارية، لذا تستجيب البنوك بخدمة عملاء تقليدية ورسوم باهظة متناسبة.
لا يتعلق الأمر بحفر سراديب تخزين جديدة، بل بتأجير أو إعادة توظيف المرافق القائمة، فتُحدد رسوم التخزين على مقياس متدرج بناء على نسبة مئوية من قيمة السبائك، ومع تضاعف قيمة الذهب منذ 2023، أصبح مربحاً جداً تقديم خدمة متكاملة، إذ إنها تغطي سلسلة القيمة بأكملها؛ بل إنها مربحة جداً لمصرف ”جيه بي مورغان تشيس آند كو“، إذ إنه يهيمن على القطاع ويعمل كجهة شبه مركزية لتسوية السبائك.
وقد بيّنت بلومبرغ نيوز، أن ”إتش إس بي سي هولدينغز“ تأتي في المرتبة الثانية بفارق كبير، على الرغم من قوتها في آسيا، وتركز مجموعة ”يو بي إس“ على امتيازها في إدارة الثروات الخاصة، وعلى الرغم من أن بنك ”آي سي بي سي ستاندرد“ (ICBC Standard Bank) قد استثمر بشكل كبير، إلا أنه لم يحقق اختراقاً كبيراً في السوق الدولية بعد.
###
استمرار اقتناء الذهب مؤشرٌ
مع ذلك، يُعدّ هذا التزاماً امتد لعقود، وهذا يشير إلى أن كبار اللاعبين يعتقدون أن أسعار الذهب المرتفعة ستبقى، وصدر تقرير اتجاهات الطلب الفصلي لمجلس الذهب العالمي يوم الخميس، والذي أظهر ارتفاع شراء الذهب بنسبة 3% ليصل إلى مستوى قياسي بلغ 1313 طناً في الربع الثالث، مطابقاً بذلك الزيادة في المعروض من قطاع التعدين، وارتفع الاستثمار في السبائك والعملات المعدنية بنسبة 17% على أساس سنوي، وهو اتجاه سُلّط الضوء عليه حتى في بيان مبيعات التجزئة في السعودية المتحدة لشهر سبتمبر.
يبدو أن طلب البنوك المركزية ارتفع بنسبة 28% خلال الربع، لكنه لم يتجاوز متوسط السنوات الـ5 إلا بفارق ضئيل، وكان الانخفاض الوحيد الملحوظ هو مبيعات المجوهرات التي واجهت صدمةً كبيرةً مع ارتفاع قيمة الذهب بنحو النصف.
عادت تجارة المعادن النفيسة إلى الربحية، ويعود ذلك جزئياً إلى كونها من آخر الأسواق التقليدية المتبقية، باستثناء نشاط صناديق الاستثمار المتداولة النشطة في الذهب، ولا يزال الذهب المادي سوقاً خارج البورصة بدون طرف مقابل مركزي.
لا يوجد منحنى آجل منشور، ولا أسعار فائدة على الودائع أو القروض، بل بيانات شهرية فقط عن المخزونات، وتبلغ السيولة ذروتها خلال ساعات التداول في لندن، ما يفسر تزايد الاهتمام بالتخزين بشكل رئيسي في المملكة المتحدة، إضافة إلى احتفاظ خزائن بنك إنجلترا باحتياطيات كثير من البنوك المركزية الأخرى.
البنية التحتية المطلوبة تعني أن البنوك الكبرى فقط هي التي تملك الميزانيات العمومية والنطاق التنظيمي اللازم لفصل ممتلكات العملاء بكفاءة.
###
هل تصبح نيويورك مركزاً للذهب مقابل لندن التقليدية؟
أصبحت نيويورك فجأةً موقعاً أكثر جاذبية بسبب المخاوف من رسوم ترمب الجمركية، وكان هناك ضغط على عقود الذهب المستقبلية في بورصة ”كومكس“ في نيويورك في وقت سابق من هذا العام، ما أثار ذعراً مفاجئاً واستيراد سبائك مختلفة الأحجام إلى الولايات المتحدة، لكن هذا الضغط تبدد إلى حد كبير.
إن تخزين الذهب، بما في ذلك خدمات المقاصة والتحويل والتسوية، مجال تجاري مصرفي بات مهجوراً منذ الأزمة المالية العالمية، فتجنبت البنوك أعمال التداول نظراً لصرامة الجهات التنظيمية الملحوظة في مراقبة السلع، حتى أن الذهب أصبح خاضعاً لقواعد ”بازل 3“، ولم يساعد قطاع التجزئة على التعامل مع كيانات أو أفراد أصغر حجماً غير خاضعين للتنظيم.
تتم أغلبية التعاملات بين البنوك -ما يعني أن الأمر كله يتعلق بالتمويل والقدرة على استخدام ممتلكات العملاء كضمانات في أماكن أخرى- وهي ممارسة تُعرف باسم إعادة استخدام الضمانات المرهونة، ويُرجّح أن يكون لدى ”جيه بي مورغان“ مئات مليارات الدولارات من الذهب في ميزانيته العمومية.
العملاء الرئيسيون هم البنوك المركزية، التي تهتم كثيراً بالتعامل مع طرف مقابل يتمتع بجودة ائتمانية عالية جداً.
###
جني أتعاب مقابل خدمات أساسياتها بسيطة
بالنسبة للآخرين الذين يدققون في هذا المجال، مثل ”مورغان ستانلي“، يتعلق الأمر بالتكامل مع إدارة الثروات؛ فهناك كثير من العملاء الذين يرغبون في الاحتفاظ بالذهب، فلماذا لا تحتفظ به البنوك في خزائنها وتجمع بذلك دخلاً من الأتعاب؟ فتُقدّر إيرادات الثروات الخاصة بمضاعف أعلى من شركات التداول، وستراقب البنوك الأخرى التي لديها عمليات لإدارة الثروات الكبيرة الوضع عن كثب.
على الرغم من أن الضجة الكبيرة حول تداولات تخفيض قيمة الدولار ربما تكون مبالغاً فيها، إلا أنها حوّلت هذا المعدن الثمين إلى فئة أصول قابلة للاستمرار، وهذا صحيح برغم الانخفاض الأخير بنسبة تقارب 10%، فالبنوك، نظراً لتقليص أنشطتها التجارية الخاصة بشكل كبير، أصبحت أقل اعتماداً على ارتفاع الأسعار، لكنها تسعى فقط إلى تحقيق هامش ربح كبير في نشاط التداول، فعاد تخزين الذهب يا عزيزي، وربما حان الوقت للعودة إلى بناطيل الجينز الواسعة وأغاني نيل دايموند.
كاتب في بلومبرغ أوبينيون متخصص في تغطية الأسواق الأوروبية، وأمضى 3 عقود في القطاع المصرفي، كبير إستراتيجيي الأسواق في شركة هايتونغ للأوراق المالية في لندن سابقا.
خاص بـ “بلومبرغ”
