هذا المقال بقلم سامية عايش، صحفية مستقلة تكتب عن السينما العربية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
في البداية، اعترف بأن ملصق فيلم “السادة الأفاضل” كان السبب الرئيسي في انجذابي إليه، فوجود أسماء مثل محمد ممدوح ومحمد شاهين كان دافعاً قوياً لمشاهدة الفيلم في أسبوعه الأول، كما أن ظهور نجوم الفيلم على السجادة الحمراء في مهرجان الجونة السينمائي، وتحديداً ذلك “العملاق الأخضر” الضخم، أثار فضولنا وأطلق العنان لتساؤلاتنا حول دوره المحوري في الفيلم، هذه التوليفة المميزة التي جمعت بين الأسماء اللامعة والوجوه الشابة، بقيادة المخرج المبدع كريم الشناوي، كانت كفيلة بتقديم فيلم ممتع وجميل، يجعل الساعتين تمران خِفافًا.
عمل سينمائي يذكرنا بالكوميديا “الأنيقة”
لكن، المفاجأة كانت أكبر من التوقعات، فقد وجدنا أنفسنا أمام عمل سينمائي يعيد إلى الأذهان الكوميديا المصرية “الأنيقة” التي افتقدناها، ويحيي فكرة “البطولة الجماعية” التي طالما أحببناها، والأهم من ذلك، يثبت أن الكتابة هي الركيزة الأساسية لأي عمل فني ناجح.
قصة فيلم “السادة الأفاضل”
تدور أحداث فيلم “السادة الأفاضل” حول قصة “الحاج جلال” الذي يرحل في الدقائق الأولى من الفيلم، ومن خلال مراسم الجنازة والعزاء، نتعرف على أفراد “العائلة الكريمة”: الأبناء، الأشقاء، الزوجة، الابنة، وبقية الأقارب.
وبالتوازي مع ذلك، تتطور قصة جانبية لا تقل أهمية، حيث يخطط ثلاثة شباب لسرقة مكتب البريد المجاور لمنزل “الحاج جلال”، مستغلين فترة العزاء للتسلل وتنفيذ مخططهم.
سنتوقف هنا عن ذكر المزيد من التفاصيل، حتى لا نفسد متعة المشاهدة، فمهما كتبنا، لن نتمكن من إيفاء الفيلم حقه من الشرح والتفصيل.
ملصق الفيلم والبطولة الجماعية
بالعودة إلى ملصق الفيلم، نجد أنه يضم نخبة من النجوم الذين شاركوا في التمثيل، بدءاً من محمد ممدوح ومحمد شاهين، مروراً بانتصار وبيومي فؤاد، وصولاً إلى أشرف عبدالباقي وطه الدسوقي وناهد السباعي وعلي صبحي وميشيل بيشاي (الذي أعتبره اكتشافاً مميزاً بأدائه الرائع).
ملصق هذا الفيلم، وأفلام كريم الشناوي السابقة، أعاد إلى الواجهة ظاهرة البطولة الجماعية التي غابت طويلاً عن الدراما والسينما المصرية، ففي السنوات الأخيرة، أصبحنا نرى الأفلام والمسلسلات تُصمم خصيصاً لتناسب “النجم” أو “النجمة” الفلانية، وتطلعاتهم التمثيلية، أما في “السادة الأفاضل”، فقد حصل كل ممثل على مساحة متساوية من الظهور، بغض النظر عن تاريخه الفني أو خبرته التمثيلية، وأرى أن هذا التوجه ضروري لإعطاء الفرصة للوجوه الشابة، وتقريب السينما إلى مفهومها الأصيل: العمل الجماعي، بدلاً من الفردية التي سيطرت عليها لسنوات.
الكتابة الذكية والحوارات المتوازنة
وهذا يقودنا إلى الكتابة، حيث نجح الكتّاب مصطفى صقر ومحمد عز الدين وعبدالرحمن جاويش في تقديم قصة ممتعة، بحوارات متوازنة ومواقف كوميدية راقية، وتطورات منطقية رغم غرابة الواقع، هذا الفيلم كُتب بذكاء، وقدم شخصيات تحترم عقول المشاهدين، واعتمد على كوميديا الموقف، بعيداً عن الإفيهات والحركات الساذجة غير المنطقية.
الموت الساخر والكاشف
الفيلم يدعونا للتفكير في الموت، وما يمكن أن يكشفه عن حقيقة المحيطين بنا، فموت الحاج في هذا الفيلم كشف أن “الأفاضل” ليسوا بالضرورة أفاضل كما يبدون، على الأقل أمام بعضهم البعض، وربما ليسوا كذلك أمامنا نحن المشاهدين، تلك اللوحة المرسومة على سقف غرفة الحاج في البداية، تضع المشاهد في أجواء الموت، ولكن بطريقة ساخرة وكاشفة، تجعلك تعتقد أنه موت حقيقي، حتى تدرك العكس (وهذه جملة ستفهمها جيداً بعد مشاهدة الفيلم).
الموسيقى كبطل في الفيلم
بعد الإشادة بالكتابة والإخراج والتمثيل، لا بد من التنويه بالموسيقى التصويرية التي لم تكن مجرد خلفية للمشاهد، بل كانت بطلاً يشارك في الأحداث، فقد أبدع مينا سامي في جعل الموسيقى تتناغم مع الحوارات بطريقة تجذب المشاهد بشكل إضافي إلى ما يراه على الشاشة، مزج مينا سامي بين الموسيقى البلدي والشعبي، فكانت الآلات المستخدمة، كالطبل والربابة والمزمار، عناصر لا يمكن تجاهلها في الفيلم.
فيلم نفخر به
منذ فيلم “فوي فوي فوي”، لم أشاهد فيلماً جميلاً ومقنعاً بهذا القدر، فيلماً يجعلني فخورة بأننا عرب، وقادرين على إنتاج هذا النوع من القصص والأفلام وسط الكم الهائل من الأعمال السطحية، وأنا فخورة أكثر بأن ابني خرج من القاعة بعد مشاهدة الفيلم في قمة السعادة، وقال: “أتمنى لو أمحو هذا الفيلم من ذاكرتي حتى أتمكن من مشاهدته والضحك فيه مرة واثنتين وثلاثة”.
هذا المقال لا ينتمي لأي تصنيف.
