«توحيد سعر الصرف يعيد رسم معالم الاستقرار للاقتصاد المصري» حسن عبدالله يتحدث عن النقطة الفارقة

*محافظ البنك المركزي: خفض التضخم إلى 12% وارتفاع الاحتياطي إلى 49.25 مليار دولار يؤكد نجاح السياسات النقدية

أكد حسن عبدالله، محافظ البنك المركزي المصري، في حوار موسع مع مجلة Global Finance، أن الاقتصاد المصري واجه خلال العامين الماضيين مجموعة من التحديات العالمية والمحلية المعقدة، إلا أن السياسات النقدية الحاسمة التي اتخذها البنك المركزي أعادت الثقة والاستقرار للأسواق، وأرست دعائم التعافي.

تحديات عالمية وضغوط محلية غير مسبوقة

أوضح عبدالله أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية عالمياً أثر بشدة على الأسعار المحلية، مما أدى إلى زيادة الضغوط التضخمية وتفاقم أعباء الموازنة العامة للدولة، وأشار إلى أن تشديد السياسات النقدية العالمية ورفع أسعار الفائدة بأكثر من 500 نقطة أساس في الأسواق الكبرى تسبب في خروج تدفقات رأسمالية ضخمة من الأسواق الناشئة، بما فيها مصر، كما لفت إلى أن التوترات الجيوسياسية في المنطقة، خاصة الهجمات التي شهدها البحر الأحمر، أثرت على إيرادات قناة السويس وبالتالي على موارد النقد الأجنبي، وأشار إلى أن هذه العوامل مجتمعة أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى أكثر من 35% في عام 2023، نتيجة تراجع قيمة العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع المستوردة.

قرارات جريئة: توحيد سعر الصرف وضبط التضخم

بيّن محافظ البنك المركزي أن حالة عدم اليقين في الأسواق وتأخر الإصلاحات الهيكلية كانت تتطلب تدخلاً حاسماً، مشيراً إلى أن البنك تبنّى سياسة نقدية انكماشية قوية من خلال رفع أسعار الفائدة بنحو 1900 نقطة أساس بين عامي 2022 و2024، للسيطرة على التضخم، وأكد أن قرار توحيد سعر الصرف في مارس 2024 كان خطوة “جريئة لكنها ضرورية” لإنهاء التشوهات في سوق النقد الأجنبي واستعادة الشفافية والثقة، واعتبر أن هذه الخطوة مثلت نقطة تحول رئيسية في مسار الاقتصاد المصري.

نتائج سريعة: انخفاض التضخم وارتفاع الاحتياطي

أوضح عبدالله أن النتائج جاءت واضحة وسريعة بعد تنفيذ السياسات الجديدة؛ إذ انخفض معدل التضخم إلى 25.7% منتصف 2024، ثم إلى 12% في أغسطس 2025، مما أتاح للبنك المركزي بدء دورة تيسير نقدي تدريجي تم خلالها خفض الفائدة بإجمالي 525 نقطة أساس منذ أبريل 2025 دون المساس بالاستقرار المالي، وأشار إلى أن الاحتياطي النقدي الأجنبي ارتفع إلى مستوى قياسي بلغ 49.25 مليار دولار، مدعوماً بتدفقات استثمارية طويلة الأجل وتحسن كبير في كفاءة إدارة الموارد، كما تراجع عجز الحساب الجاري إلى 13.2 مليار دولار خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي 2024/2025، مقارنة بـ17.1 مليار دولار في العام السابق، مدفوعاً بارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنسبة 82%، لتصل إلى 26.4 مليار دولار.

عودة المستثمرين وثقة الأسواق

أكد محافظ البنك المركزي أن عودة الاستثمارات الأجنبية إلى سوق الدين المحلي كانت نتيجة مباشرة لسياسات الاستقرار النقدي وانخفاض التضخم وعودة الفائدة الحقيقية إلى المنطقة الإيجابية، مما دعم السيولة وثقة المستثمرين الدوليين، وأشار إلى أن المرحلة المقبلة ستركز على تعميق سوق النقد الأجنبي وتحسين مرونته، إضافة إلى تعزيز بيئة الاستثمار واستمرار الاعتماد على النهج القائم على البيانات في صنع القرار النقدي.

قطاع مصرفي قوي وصامد

استعرض حسن عبدالله قوة ومتانة القطاع المصرفي المصري، موضحاً أن معدل كفاية رأس المال بلغ 18.6%، ورأس المال الأساسي 13.2%، ونسبة الرفع المالي 7.6%، وجميعها أعلى بكثير من الحدود التنظيمية، كما بلغت نسبة القروض غير المنتظمة 2.1% فقط، مع تغطية مخصصات تجاوزت 90%، مما يعكس قدرة البنوك على مواجهة الصدمات الاقتصادية بكفاءة، وأضاف أن العائد على حقوق الملكية بلغ 39%، والعائد على الأصول 2.6%، في حين تجاوزت مؤشرات السيولة الحد الأدنى المطلوب، بما يعكس استقرار النظام المصرفي المصري ومرونته.

الشمول المالي والتحول الرقمي.. ركيزتان للمستقبل

أكد المحافظ أن الشمول المالي ارتفع إلى 75% في عام 2024 بفضل الاستراتيجيات الوطنية الموجهة لدعم النساء والشباب ورواد الأعمال، مشيراً إلى أن التحول الرقمي أصبح المحرك الرئيسي لتطوير القطاع المصرفي، وأوضح أن الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول والمحافظ الإلكترونية والبنوك الرقمية أسهمت في توسيع الوصول للخدمات وتقليل التكاليف وتحسين الكفاءة، بما يتماشى مع توجهات الدولة نحو بناء اقتصاد رقمي متكامل.

InstaPay.. قصة نجاح التحول الرقمي في مصر

سلّط حسن عبدالله الضوء على نجاح شبكة المدفوعات اللحظية InstaPay، التي تخدم أكثر من 12.7 مليون مستخدم، كأحد أبرز إنجازات البنك المركزي في مجال التحول الرقمي ونظم الدفع، وأشار إلى أن البنك المركزي يعمل حالياً على تطوير أنظمة التحويلات عبر الحدود لتصبح أسرع وأكثر أماناً وأقل تكلفة، بهدف دعم تحويلات المصريين بالخارج وجذب مزيد من تدفقات النقد الأجنبي.

البنوك الرقمية والذكاء الاصطناعي.. ملامح الجيل الجديد من الخدمات المصرفية

أكد المحافظ أن إصدار القواعد المنظمة للبنوك الرقمية في 2023 ومنح أول ترخيص لبنك رقمي في 2025 يمثلان خطوة استراتيجية نحو نظام مصرفي حديث يعتمد على الابتكار والمرونة، وأضاف أن البنك المركزي أطلق مبادرات للإقراض الرقمي باستخدام نماذج تقييم ائتماني سلوكي وبيانات بديلة بالتعاون مع شركة “آي-سكور”، إلى جانب تطوير حلول التحقق الإلكتروني من الهوية (eKYC) المعتمدة على القياسات الحيوية لتيسير الوصول الآمن للخدمات المصرفية، كما كشف عن إعداد استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي في القطاع المصرفي، تهدف إلى رفع كفاءة الرقابة ودعم الابتكار المالي، إلى جانب إنشاء مركز بيانات من الفئة الرابعة (Tier 4) ومنصة موحدة للبيانات تعزز سرعة ودقة المتابعة المصرفية.

رؤية نحو مستقبل مالي أكثر مرونة واستدامة

اختتم حسن عبدالله حديثه بالتأكيد على أن البنك المركزي المصري يسير بخطى ثابتة نحو بناء قطاع مصرفي أكثر تنافسية وشمولاً وكفاءة، قادر على دعم النمو الاقتصادي المستدام وتعزيز مكانة مصر كمركز مالي وتكنولوجي إقليمي.