تُكثف دولة الإمارات العربية المتحدة مساعيها لترسيخ مكانتها الرائدة كمركز مالي عالمي للتمويل الإسلامي، وذلك عبر إطلاق حزمة شاملة من الإصلاحات القانونية والتنظيمية المصممة لتطوير سوق الصكوك، وتركز هذه المبادرات الحيوية على تعزيز حماية المستثمرين ورفع مستوى كفاءة بيئة التمويل الإسلامي، بما يضمن توافقها مع أسمى المعايير الدولية، لا سيما مع تزايد الطلب الإقليمي والعالمي الملحوظ على الصكوك كأداة تمويلية مستدامة وآمنة.
سوق الصكوك الإماراتي: إصلاحات جديدة نحو العالمية
ضمن جهودها المستمرة لتطوير سوق الصكوك، كشفت الجهات التنظيمية في دولة الإمارات عن تعديلات جوهرية، تستهدف الارتقاء بالحوكمة وتعزيز الشفافية في جميع مراحل عمليات إصدار الصكوك، وتُشير التقارير الاقتصادية إلى أن هذه الإصلاحات تأتي كاستجابة مباشرة للمتطلبات المتزايدة للسوق العالمية على أدوات التمويل الإسلامي المبتكرة.
من جانبها، نوّهت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني بأن هذه التغييرات تمثل خطوة إيجابية ومهمة نحو ترسيخ الإطار القانوني لسوق الصكوك في الإمارات، إلا أنها رأت أنها لا تزال غير كافية لرفع التصنيف الائتماني بشكل كامل، وذلك بسبب استمرار بعض التحديات المتعلقة بالغموض في الجوانب التنفيذية والقانونية، ومع ذلك، أكدت الوكالة أن الإطار الجديد يُسهم بفاعلية في تعزيز ثقة المستثمرين، ويُمهد الطريق نحو بناء سوق صكوك أكثر استقرارًا وشفافية على المدى الطويل.
- تعزيز الحماية القانونية للمستثمرين في سوق الصكوك الإماراتي بشكل فعّال.
- تحسين إجراءات نقل ملكية الأصول في حالات تعثر الجهات المصدرة، لضمان حقوق المستثمرين.
- زيادة الثقة في أدوات الدين الإسلامية على الصعيدين المحلي والعالمي، مما يجذب المزيد من الاستثمارات.
الإصلاحات الإماراتية: دافع قوي لنمو التمويل الإسلامي
في خطوة محورية، أطلقت دولة الإمارات مجموعة من الإجراءات التنظيمية الجديدة، جاءت هذه الإجراءات بعد إصدار “الهيئة العليا الشرعية” لقاعدة “بيع الحقوق” في مايو 2025، وهي قاعدة تمكّن المستثمرين من تسجيل ملكية الأصول في حال تعثر الجهة المصدرة، ويهدف هذا التوجه الطموح إلى رفع مستوى مصداقية سوق الصكوك وضمان توافقها التام مع أحكام الشريعة الإسلامية السمحة.
بالتوازي مع هذه الجهود، تُسهم هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) في البحرين بدور حيوي في تطوير المعيار رقم 62، والذي من المتوقع أن يُحدث تحولاً جذرياً في تصميم وهيكلة الصكوك، من خلال إلزام الشركات المصدرة بنقل الملكية الحقيقية للأصول إلى المستثمرين بشكل صريح، وهذا الإجراء المبتكر سيُقلل بشكل كبير من التشابه بين الصكوك والسندات التقليدية، مما يعزز الأصالة الشرعية للتمويل الإسلامي ويقوي الثقة في هذا السوق الواعد.
- تطبيق قاعدة بيع الحقوق لتعزيز شفافية المعاملات بشكل ملحوظ.
- العمل بمعايير الشريعة الإسلامية الصارمة لضمان نزاهة التمويل وسلامته.
- جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى سوق الصكوك الإماراتي، مما يعزز مكانته العالمية.
نمو قياسي: الصكوك الإماراتية والعالمية تتألق
على الرغم من بعض التحفظات التي أبدتها وكالات التصنيف العالمية، يشهد سوق الصكوك نموًا ملحوظًا وغير مسبوق، فقد تخطت الإصدارات العالمية حاجز الـ 80 مليار دولار أمريكي خلال الربع الثالث من عام 2025، مسجلةً بذلك زيادة قياسية بلغت 89% مقارنة بالعام السابق، وتوضح البيانات الإحصائية أن الصكوك تُشكل حاليًا أكثر من 16% من إجمالي الديون المقومة بالدولار الأمريكي ضمن الأسواق الناشئة (باستثناء السوق الصيني).
المنطقة | قيمة الإصدارات (مليار دولار) | نسبة النمو السنوي |
---|---|---|
الخليج العربي | 80+ | 89% |
الأسواق الناشئة | 45 | 72% |
الإمارات | 20 | 95% |
يعكس هذا الزخم القوي الثقة المتنامية للمستثمرين العالميين في منظومة التمويل الإسلامي بصفة عامة، وفي سوق الصكوك المزدهر في الإمارات بشكل خاص، ويُجمع الخبراء على أن استدامة هذه الوتيرة التصاعدية تتوقف على مدى قدرة المشرعين على إرساء توازن دقيق بين تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة وحماية حقوق المستثمرين، مع الالتزام التام بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية الغراء.
ختامًا، تُشكل الإصلاحات المتواصلة التي تنفذها دولة الإمارات في سوق الصكوك نقلة نوعية واستراتيجية ضمن مسيرة التمويل الإسلامي العالمي، فبجمعها بين التحديث التشريعي المتطور والالتزام الشرعي الأصيل، تبرز الإمارات كوجهة ريادية عالمية للتمويل المستدام، الذي يرتكز على قيم الثقة المطلقة والشفافية الكاملة.