«ضربة قاصمة للسوق السوداء» خبير اقتصادي يطالب بتجريم التعامل غير الرسمي بالدولار لكبح جماح السوق الموازية

أكد الخبير الاقتصادي أبوبكر الطور أن العام الأول من ولاية ناجي عيسى كمحافظ لمصرف ليبيا المركزي قد شهد سلسلة من الإجراءات الحاسمة التي تستهدف تصحيح مسار السياسة النقدية والمالية في البلاد.

وفي تصريح لقناة “الوسط” الذي نقلته صحيفة الساعة 24، أوضح الطور أن الإدارة الحالية للمصرف المركزي قد بدأت بالفعل في معالجة التشوهات التي تراكمت على مدى السنوات الماضية، مشيرًا إلى أن هذه الإصلاحات تحتاج إلى المزيد من الوقت حتى تظهر نتائجها بشكل كامل وواضح.

محاولات التغيير والتجديد

أشار الطور إلى أن المحافظ الجديد، بحكم انتمائه وخبرته الطويلة داخل المؤسسة المصرفية، يواجه تحديات طبيعية في عملية التغيير والتجديد، إلا أنه بدأ فعليًا في التحرر من إرث الإدارة السابقة واتباع نهج أكثر استقلالية، يسهم في تعزيز دور المصرف المركزي.

إلغاء الفئات النقدية القديمة

أوضح الطور أن من أبرز الخطوات التي اتخذها المصرف خلال هذه المرحلة هو قرار إلغاء بعض الفئات النقدية التي ساهمت في تفاقم ظاهرة الاكتناز النقدي، مبينًا أن هذه الفئات كانت تؤثر سلبًا على حركة السيولة في السوق، وقد أدى القرار إلى سحب أكثر من 47 مليار دينار من التداول، مما يعكس حجم التحدي الذي يواجهه المصرف.

إعادة تدوير السيولة النقدية

أشار الطور إلى أن تعويض هذه الكتلة النقدية المسحوبة لن يتم بسرعة، نظرًا لحاجة المصرف إلى فرزها وإعادة عدّها قبل إعادة ضخها في السوق، لافتًا إلى أن المصرف بدأ فعليًا في تسييل نحو 25 مليار دينار من العملة الجديدة، مع خطط لضخ 13 مليارًا إضافية قبل نهاية العام، وهو ما يعكس جهود المصرف لتنظيم السيولة.

تنظيم السيولة النقدية

أوضح الخبير الاقتصادي أن تنظيم السيولة النقدية يتطلب مسارين متوازيين، الأول هو تسهيل حركة النقد في السوق لتلبية احتياجات المواطنين، والثاني هو توسيع الاعتماد على الوسائل الإلكترونية والبطاقات المصرفية، مؤكدًا أن نجاح هذه الجهود يعتمد على تنسيق فعّال بين مصرف ليبيا المركزي ووزارتي الاقتصاد والمالية، لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.

مبادرات المصرف المركزي ووزارة المالية

في سياق آخر، أشار الطور إلى أن المصرف المركزي، بالتعاون مع وزارة المالية، قد أطلق منظومة “راتبك لحظي” وبدأ في إصدار شهادات إيداع ضمن آلية “المضاربة المطلقة”، واصفًا هذه الخطوة بأنها حل عملي لمشكلة الاكتناز النقدي التي تمثل أحد أخطر التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني، وتسهم في تعزيز الثقة في النظام المصرفي.

تداخل الصلاحيات بين المركزي والحكومة

أوضح الطور أن الجدل القائم بشأن تداخل صلاحيات المصرف المركزي والحكومة، خصوصًا في ملفات صرف الرواتب والسياسات المالية، يجب أن يُفهم ضمن تراكمات إدارية عمرها أكثر من عقد، مشيرًا إلى أن ما يجري اليوم ليس تجاوزًا للاختصاصات بقدر ما هو محاولة لسدّ فراغ تنفيذي ظل قائمًا لسنوات طويلة، مما يتطلب تضافر الجهود لتصحيح المسار.

تسليم المهام لوزارة المالية

دعا الطور إلى أن تتم عملية تسليم المهام تدريجيًا من المصرف المركزي إلى وزارة المالية، حتى تستعيد الأخيرة دورها الطبيعي في إدارة السياسة المالية، معتبرًا أن المرحلة الحالية انتقالية فرضتها ظروف موضوعية لا يمكن تجاوزها بسرعة، مؤكدًا أن حل أزمة السيولة مرهون باستكمال استرجاع العملات الملغاة من السوق، مشيرًا إلى أن المصرف لا يستطيع ضخ سيولة جديدة قبل الانتهاء من هذه العملية التنظيمية.

أسباب الاكتناز النقدي

في تحليله لظاهرة الاكتناز النقدي، أوضح الطور أن ضعف الثقة في النظام المصرفي هو السبب الأساسي للأزمة، وأن الاكتناز يمثل نتيجة منطقية لغياب البدائل الاستثمارية والتمويلية، مما يدفع الأفراد والشركات إلى الاحتفاظ بالسيولة النقدية خارج النظام المصرفي.

تفضيل السيولة النقدية على الاستثمار

أوضح أن أصحاب رؤوس الأموال يفضّلون الاحتفاظ بسيولتهم نقدًا بسبب غياب فرص استثمارية آمنة وعدم توفر آليات ائتمان مرنة، موضحًا أن سياسات الإقراض وأسعار الصرف الحالية أضعفت جدوى المشاريع الإنتاجية، حيث ارتفعت تكاليف التنفيذ وامتدت فترات استرداد رأس المال لسنوات طويلة، ما يدفع المستثمرين إلى التحول نحو التجارة والاستيراد كمصادر دخل أسرع وأكثر أمانًا.

تأثير أسعار الصرف

أكد الطور أن أسعار الصرف تؤثر بشكل مباشر في جميع مفاصل الاقتصاد، من تكلفة تنفيذ المشاريع إلى قدرة المقترضين على السداد، معتبرًا أن اختلال سعر الصرف كان أحد العوامل المركزية في تعطّل التنمية الحقيقية داخل البلاد، مما يستدعي ضرورة معالجة هذا الخلل لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

مخاطر الودائع المالية غير المتبعة

انتقد الطور التقارير التي تشير إلى تورط مصرف ليبيا المركزي في قبول ودائع مالية ضخمة دون تتبّع مصادرها، محذرًا من أن المصرف أصبح في “منطقة حرجة”، على حد وصفه، وأوضح أن معالجة هذه الظاهرة لا تستدعي اللجوء إلى العقوبات العشوائية أو السجن، بل تتطلب آلية منظمة تُتيح للدولة تحصيل الضرائب واستيفاء حقوقها المالية، بحيث تتحول الأموال المصرّح بها إلى سيولة حقيقية تخدم الاقتصاد الوطني بدلاً من بقائها خارج المنظومة الرسمية.

تجريم الاكتناز النقدي

في تعليقه على قرار البرلمان بتجريم الاكتناز النقدي لما يزيد عن 100 ألف دينار، أبدى الطور تأييده المبدئي للفكرة، لكنه تساءل عن الآليات العملية للكشف عن الأموال المحتفظ بها داخل المنازل، مشيرًا إلى صعوبة تطبيق مثل هذا القانون ميدانيًا، مما يثير تساؤلات حول فعاليته.

بدائل للحد من الاكتناز

اقترح الطور بديلًا أكثر فاعلية يتمثل في فرض قيود صارمة على تداول العملات الأجنبية خارج القنوات المرخصة، مؤكدًا أن تجريم التعامل غير الرسمي بالدولار أو غيره من العملات سيكون أكثر جدوى في كبح السوق الموازية، كما تطبّق ذلك دول أخرى نجحت في الحد من المضاربات النقدية، مما يعكس أهمية تبني استراتيجيات فعالة.

إصلاح منظومة الإقراض والتمويل

ختم الطور بالتشديد على ضرورة إصلاح منظومة الإقراض والتمويل في ليبيا، داعيًا إلى بناء قطاع مصرفي قادر على استعادة الثقة من خلال تمكين البنوك التجارية من إصدار أدوات ادخارية واستثمارية مثل شهادات الودائع والتمويلات طويلة الأجل، بدلاً من اعتماد المصرف المركزي كجهة منفردة تقوم بمهام تتجاوز اختصاصها الطبيعي، مما يسهم في تحقيق الاستقرار المالي وتعزيز النمو الاقتصادي.