في قصيدته الخالدة “يوم مولدي”، والتي أبدع في تلحينها الموسيقار فريد الأطرش، عبّر الشاعر كامل الشناوي عن أسفه لمرور العمر قائلًا: “عدت يا يوم مولدي، عدت يا أيها الشقي، الصبا ضاع من يدي، وغزا الشيب مفرقي، ليت يا يوم مولدي، كنت يومًا بلا غدِ”.
لكن دراسة علمية حديثة قلبت الموازين، لتكشف أن الشيب، الذي لطالما اعتبر علامة غير محببة، قد يكون في الواقع آلية دفاع طبيعية ضد أخطر أنواع سرطان الجلد، وذلك وفقًا لتقرير نشرته شبكة “فوكس نيوز” الأميركية.
بين الشيب والسرطان: علاقة غير متوقعة
الدراسة، التي أجراها فريق من “جامعة طوكيو الطبية” بقيادة الدكتورة إيمي نيشي مورا، ونُشرت في دورية Nature Cell Biology، كشفت أن الخلايا الجذعية المنتجة للصبغة في بصيلات الشعر (المعروفة باسم melanocyte stem cells) تتفاعل مع الإجهاد بطرق مختلفة، ففي بعض الحالات، تموت الخلايا المتضررة، مما يؤدي إلى فقدان اللون وظهور الشيب، وفي حالات أخرى، تنجو هذه الخلايا وتبدأ في الانقسام مرة أخرى على الرغم من تلف حمضها النووي، مما قد يؤدي إلى تحولها إلى خلايا سرطانية (ميلانوما).
تجربة تكشف المستور
اعتمد الباحثون على نماذج حيوانية وفحوصات نسيجية، حيث تم تعريض الخلايا الجذعية الصبغية لعوامل إجهاد تحاكي الأشعة فوق البنفسجية التي تتلف الحمض النووي، ولاحظ الفريق أن بعض الخلايا توقفت عن تجديد نفسها وتحولت إلى خلايا صبغية ناضجة قصيرة العمر، مما أدى إلى ظهور الشعر الرمادي، ولكن عندما عدّل العلماء البيئة المحيطة بهذه الخلايا لتشجيعها على البقاء، استمرت في الانقسام على الرغم من الضرر الوراثي، وتحولت تدريجيًا إلى خلايا تحمل خصائص سرطانية.
“KIT ligand”: إشارة تحدد المصير
كشفت الدراسة أيضًا أن جزيئًا يُعرف باسم “KIT ligand” يلعب دورًا حاسمًا في تحديد مصير الخلايا، حيث يوجهها إما نحو الموت الوقائي أو نحو البقاء المَرَضي، وفي هذا السياق، أوضحت الباحثة نيشي مورا أن “الشيب والسرطان ليسا حدثين منفصلين، بل هما نتيجتان متباينتان لاستجابة الخلايا الجذعية للإجهاد”.
الشيخوخة: آلية دفاع بيولوجية
أشار الباحثون إلى أن هذه النتائج تعيد تعريف الشيخوخة كآلية دفاع بيولوجية، فعندما يتوقف الشعر عن إنتاج الصبغة، فإن الجسم يتخلص في الواقع من خلايا تالفة كان يمكن أن تتحول إلى خلايا سرطانية، أما إذا فشل هذا النظام الطبيعي في إزالة الخلايا المتضررة، فقد يؤدي ذلك إلى نشوء الميلانوما، وهو أخطر أنواع سرطان الجلد.
أفق جديد للوقاية والعلاج
على الرغم من أن الدراسة أُجريت على الفئران، إلا أن نتائجها قد تفسر سبب إصابة بعض الأشخاص بالميلانوما من دون مؤشرات ظاهرة، وتفتح الباب لفهم أفضل لكيفية تحول آليات الشيخوخة إلى خطوط دفاع ضد السرطان، وخلص الباحثون إلى أن الشيب قد لا يكون مجرد علامة على مرور الزمن، بل دليل على أن الجسم يختار الحياة على حساب المظهر الجمالي.
