مصر، تعد قضية استرداد الآثار واحدة من أبرز الملفات التي تثير اهتمام الرأي العام المصري، خاصةً عقب افتتاح المتحف الكبير، الذي يمثل تحولًا جوهريًا في حماية الكنوز الأثرية المصرية وصونها للأجيال القادمة.
من بين أبرز القصص المثيرة التي عادت إلى السطح، قصة تابوت الكاهن نجم عنخ، الذي عاد إلى مصر في عام 2022 بعد فترة تهريب غامضة استمرت لأكثر من عشر سنوات.
تبدأ أحداث القصة في عام 2011، خلال الاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد، حين استغلت إحدى عصابات تهريب الآثار الوضع الأمني المضطرب لتهريب تابوت مذهب نادر للكاهن القديم نجم عنخ إلى خارج البلاد، ولتأمين عملية التهريب، قامت العصابة بتزوير شهادة خروج مزيفة تعود لعام 1971، أي قبل صدور قانون حماية الآثار في عام 1983، الذي يمنع تصدير أي قطعة أثرية. وبناءً على تلك الوثائق المزورة، تمكنت العصابة من بيع التابوت إلى متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك بمبلغ يتجاوز 4 ملايين دولار أمريكي.
صورة كيم كارداشيان التي كشفت السر
لم يتوقع أحد أن تكون صورة على مواقع التواصل الاجتماعي هي المفتاح الذي يكشف واحدة من أخطر قضايا تهريب الآثار، فقد التُقطت صورة للناشطة وسيدة الأعمال الأمريكية كيم كارداشيان بجوار التابوت المعروض في المتحف، مما أثار التساؤلات حول مصدر التابوت وكيفية خروجه من مصر، وبدأت وزارة الخارجية ووزارة السياحة والآثار بالتحقيق في الأمر وطلبت من المتحف الأمريكي تقديم مستندات تثبت ملكيته للقطعة الأثرية.
قدّم المتحف بالفعل الوثائق التي بحوزته، إلا أن لجنة أثرية مختصة اكتشفت أن الوثيقة مزورة، حيث تضمنت ختم نسر غير معتمد آنذاك، كما أن الرقم المدون عليها يعود إلى قطعة أثرية أخرى، بالإضافة إلى أن الوثيقة أظهرت اسم هيئة الآثار، في حين كان الاسم الرسمي في ذلك الوقت هو مصلحة الآثار، وجميع هذه التناقضات قدّمت دليلًا واضحًا على أن عملية تهريب منظمة قد تمت عبر مستندات مزورة.
تحقيقات أمريكية تؤكد أحقية مصر بالتابوت
أحال المتحف الأمر إلى مكتب المدعي العام لمدينة مانهاتن في نيويورك، الذي بدأ تحقيقًا موسعًا استمر 20 شهرًا تقريبًا، وخلال تلك الفترة، قامت الإدارة العامة للآثار المستردة، بالتنسيق مع وزارة الخارجية، بتزويد السلطات الأمريكية بكل الوثائق الرسمية التي تثبت أن تصريح التصدير المزعوم لعام 1971 لم يصدر عن أي جهة، بل تم تزويره بالكامل، وخلصت التحقيقات الأمريكية إلى أن متحف المتروبوليتان كان ضحية لعملية تزوير دولية وأن الآثار تعود ملكيتها بشكل شرعي لمصر.
وعليه، أرسل مدير عام المتحف خطابًا رسميًا إلى وزارة الآثار، قدّم فيه اعتذارًا صريحًا للحكومة والشعب، وأكد التزام المتحف بإعادة القطعة فورًا إلى موطنها الأصلي.
عودة التابوت إلى أرض مصر
في عام 2022، وبعد رحلة طويلة من التهريب والتحقيقات الدولية، عاد تابوت نجم عنخ إلى مصر وسط استقبال رسمي وشعبي مميز، ليصبح رمزًا جديدًا لانتصار الجهود في حماية التراث الوطني، وتم نقل التابوت إلى المتحف القومي للحضارة بالفسطاط، حيث خضع لعملية ترميم دقيقة ليُعرض ضمن القطع الأثرية المميزة التي تجسد التاريخ القديم، وبالتالي كانت قصة نجم عنخ ليست مجرد حادثة تهريب وانتهائها بالاسترداد، بل درسًا في أهمية الوعي الثقافي والدبلوماسية الأثرية، ودليلًا على أن الحق التاريخي لا يسقط بالتقادم، وأن كل قطعة أثرية مصرية ستعود يومًا إلى مكانها الطبيعي في أرض الحضارة.
