هدير عبد الرازق، تقدم الدكتور هاني سامح، محامي صانعة المحتوى، بمذكرة التماس ومقترح رسمي إلى مجلس النواب، حيث طالب بإلغاء عبارة «الاعتداء على المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري» من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، مشيرًا إلى أن هذا النص يعاني من غموض واتساع في تفسيره، ويُستخدم بما يمس مدنية الدولة وحرية الإبداع.
تأتي هذه المطالبة بعد صدور حكم قضائي برفض استئناف البلوجر وتأييد حكم أول درجة، وهو ما اعتبره محاميها فرصة قانونية لتجديد النقاش حول النصوص التي تُجرِّم الأفعال بناءً على معايير أخلاقية غير واضحة.
وأوضح الطلب أن الهدف من المقترح هو إلغاء النص المتعلق بتجريم “الاعتداء على القيم الأسرية”، كونه نصًا فضفاضًا يتعارض مع مبدأ الشرعية واليقين القانوني، ويحوّل العدالة الجنائية إلى أداة وصاية أخلاقية تُستخدم ضد الشباب وصنّاع المحتوى، مما يُهدد مدنية الدولة ويضرّ بسمعة مصر الدولية واقتصادها الإبداعي والسياحي.
طلب محامي هدير عبد الرازق يستند إلى الدستور ويدعو لتشريعات تحمي حرية الإبداع
استندت المذكرة القانونية إلى عدد من المواد الدستورية، أبرزها المادة 95 التي تنص على ضرورة أن يكون التجريم والعقاب وفق نصوص محددة وواضحة، والمادة 67 التي تكفل حرية الإبداع الفني وتحظر العقوبة السالبة للحرية في قضايا المنتج الفني العلني إلا في ثلاث حالات فقط: التحريض على العنف، التمييز، والطعن في الأعراض، كما أشارت إلى مواد أخرى تتعلق بسيادة القانون، والحرية الشخصية، وضمانات المحاكمة العادلة (54، 94، 96).
وأكد سامح في التماسه أن عبارة «القيم الأسرية» غير منضبطة قانونيًا، لأنها قيمة نسبية تتغير مع الزمن ومع الأفراد، وهذا يجعلها غير صالحة كأساس لتجريم الأفعال، واعتبر أن الاعتماد على هذا المفهوم الفضفاض يؤدي إلى توسع بلاغات الحسبة، واستعمال القضاء لمحاسبة الأفراد على الذوق والسلوك بدلًا من الأفعال الجنائية المادية.
ودعت المذكرة إلى استبدال النصوص الغامضة بعبارات محددة تجرم أفعالًا واضحة مثل التحريض على العنف، أو خطاب الكراهية، أو انتهاك الخصوصية، أو استغلال الأطفال، مع الالتزام بعدم تطبيق الحبس في قضايا الفن أو المحتوى الإلكتروني خارج الحالات التي يجيزها الدستور صراحة.
تحذير من تغوّل الخطاب المتشدد على هوية الدولة المدنية
تناولت المذكرة جانبًا فكريًا وثقافيًا، مشيرة إلى أن القيم المصرية الحديثة تشكّلت عبر مدرسة السينما والمسرح والموسيقى وتلفزيون الدولة “ماسبيرو”، التي قدّمت صورة منفتحة ومتنوعة للمجتمع المصري وأسهمت في تعزيز الهوية الوطنية وقوة مصر الناعمة، وحذّرت المذكرة من تسلّل خطابٍ متشدّد منذ سبعينيات القرن الماضي، وصفته بـ”الوعظي الوهابي”، الذي يسعى إلى تأميم الذوق العام وتجريم الاختلاف تحت شعارات الفضيلة، مع إحلال منظومة من “المحظورات الأخلاقية” محل سيادة القانون، مما يُهدد مدنية الدولة ويُقيّد الحريات العامة.
أكدت أن القيم في دولة القانون ليست شعارات تُفرض أو ذوقيات تُراقب، بل هي منظومة اجتماعية وثقافية تتشكّل عبر التاريخ والمؤسسات، وأن استمرار النصوص العقابية الفضفاضة يُضعف دولة القانون ويفتح الباب أمام الرقابة الأخلاقية وتديين المجال العام.
محامي هدير عبد الرازق يدعو لإصلاح تشريعي يحمي الإبداع والهوية المصرية
في ختام المذكرة، دعا الدكتور هاني سامح، محامي هدير عبد الرازق، إلى إصلاح تشريعي عاجل يحمي حرية التعبير والإبداع، ويعيد التوازن بين حماية النظام العام وضمان الحريات الفردية، واعتبر أن إلغاء النص الغامض من المادة (25) سيكون خطوة ضرورية لترسيخ دولة مدنية حديثة تقوم على الوضوح القانوني، وتحترم التنوع الثقافي والفني الذي ميّز مصر لعقود طويلة.
