سلمي محمد مراد
نشر في: الجمعة 7 نوفمبر 2025 – 11:39 م | آخر تحديث: الجمعة 7 نوفمبر 2025 – 11:39 م
لم يكن مسلسل “كارثة طبيعية”، الذي يروي قصة زوجين يفاجآن بانتظار خمسة توائم، عملاً درامياً خيالياً، بل كان تجسيدًا لواقع عاشته أسر مصرية واجهت تجربة مماثلة.
مع عرض المسلسل، تفاعل عدد كبير من المشاهدين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة من الأمهات اللاتي مررن بنفس التجربة، حيث تحدثن في تصريحات خاصة لـ”الشروق” عن معاناتهن ومدى ارتباط تجاربهن بمشاهد العمل الدرامي.
من بين هؤلاء، آلاء الجوهري، مهندسة معمارية من الإسكندرية، تنحدر من عائلة تتكون من خمسة توائم، ونرمين سعيد خليل، شابة في الرابعة والعشرين من عمرها، أنجبت مؤخرًا أربعة توائم بنات بعد رحلة حمل صعبة سنرويها لاحقًا.
– تجربتان تجمعهما الذكريات والقدرة على التحمل
تروي آلاء الجوهري، التي تنتمي إلى عائلة منضبطة، مبتسمة وهي تسترجع ذكرياتها: “نحن عائلة متوسطة، والدي ضابط شرطة ووالدتي معلمة، تفاجأ والداي في البداية، فقد كانت الحالة نادرة، ولم يعرفا كيف سيواجهان الأمر”.
تضيف ضاحكة: “كنا نعيش وكأننا في الجيش، حيث كانت حياتنا تسير بنظام يشبه الحياة العسكرية، ننام في التاسعة مساءً ونستعد للمدرسة في السابعة والربع، ولم يكن هناك مجال للفوضى”.
ابتكرت والدتها أساليب تربوية مبتكرة لضبط سلوك الأطفال، تحكي آلاء: “كانت تقنعنا أن بابا نويل يراقب سلوكنا، مما جعلنا نتجنب العقوبات”.
تتابع بقولها: “كانت هذه الطريقة ناجحة، حيث كنا نعتقد أنه سيقدم لنا هدايا في رأس السنة، وكان والدينا يجهزان خمس هدايا تحتوي على رسائل حول تقييم سلوكنا”.
وضحت أن والديها ركزا على مفهوم الاعتماد على الذات منذ الصغر، حيث قالت: “درسنا في نفس المدرسة التي تعمل بها والدتي، وكانت تتابعنا بدقة، وبرغم عملها، لم تقصر في تربيتنا”.
تخرج شقيقتان من كلية الهندسة، وشقيقة أخرى من كلية الإعلام، بينما يعمل أحد أخويها وكيل نيابة، والآخر ضابط شرطة. تقول آلاء بفخر: “استثمر والدانا كل ما يملكان في تعليمنا”.
تسترجع كيف ساهم الجيران والأقارب في دعمهم خلال طفولتهم، مشيرة إلى أن الحياة لم تكن سهلة، فكان والدها يمضي معظم وقته في الصعيد بسبب عمله، وبالتالي تحملت والدتها العبء الأكبر. تحدثت آلاء عن مشاهد المسلسل بالقول: “على الرغم من عرضه في إطار كوميدي، إلا أن التجربة الحقيقية لم تكن مضحكة، فمشهد انهيار الأب عند معرفته بعدد الأجنة يمثل حال والدي بشكل دقيق”.
تختتم آلاء حديثها بما قاله والدها: “كنت أقول دائمًا: أنا لم أُربّكم، بل الله هو من رباكم، لم تكن مواردي تكفي، لكن الله أعاننا”.
– نرمين.. أم البنات الأربع
تروي نرمين سعيد خليل من القاهرة تجربتها التي لا تزال تعيش تفاصيلها يوميًا، فتقول: “كنت أُنتظر الحمل بفارغ الصبر، وعندما تأكدت بالاختبار المنزلي، شعرت بسعادة كبيرة، لكن الأعراض كانت غريبة”.
تتابع نرمين، التي يعمل زوجها فني تبريد وتكييف: “في البداية، ظنت الطبيبة أن هناك ورمًا، ثم اكتشفنا في مستشفى المطرية أنني أتيحت لي فرصة الحمل بأربعة أجنة، كان الطبيب يضحك بدهشة، بينما لم أستطع استيعاب ما رأيته”.
تستمر في حديثها قائلة: “مرت الشهور التالية ببطء، محاطة بالخوف والآلام، تعرضت لإجهاض مبكر في الشهر الثالث وصديد على الكلى بسبب ضغط الأجنة، كما زعت اشتباه جلطة في الشهر السابع، وقضيت معظم فترة الحمل طريحة على السرير مطالبًا بالمثبتات”.
وفي أحد أيام رمضان، عندما فاجأها الطلق، أعلنت الطبيبة حالة الطوارئ في المستشفى استعدادًا للولادة. وضعت البنات الأربعة: ليلي، ليندا، مسك، مرام، في مستشفى الزهراء الجامعي، وكانت الولادة صعبة بناءً على معاناتها من الوسواس القهري.
تضيف: “وُضعت اثنتان في حضانة المستشفى، بينما نُقلت الأخريتان إلى حضانة الجمعية الشرعية بألماظة بسبب نقص الأجهزة، وانطلقت كل واحدة منهن في أوقات مختلفة خلال شهر مايو، وآخر طفلة غادرت الحضّانة في الثالث من يونيو”.
تعيش نرمين اليوم بين الفوضى والإرهاق والامتنان، قائلة: “أنا وحدي طوال اليوم معهن، وزوجي يعمل في وظيفتين لتغطية المصروفات، نحسب كل شيء بدقة من عدد الحفاضات إلى عبوات اللبن، نحاول شراء الأرخص، ولكن رغم التعب، لا يمكنني تخيل حياتي بدونهن”.
وعن المسلسل، تضيف بابتسامة تعبر عن التعب: “ما فعله البطل حين كان يعد الحفاضات واللبن هو ما نفعله يوميًا، كانت المشاهد واقعية جدًا، خاصة مشاعر القلق والحيرة التي يمر بها الزوجان”.
– دراما من صميم الواقع
بين تجربة آلاء الجوهري التي نشأت وسط نظام منضبط، وتجربة نرمين سعيد التي تخوض معركة يومية مع الرضاعة والإرهاق والمصاريف، تتوحد الحكايتان في معنى واحد: وراء كل صدفة طبيعية — وليست كارثة — توجد أسرة وأم مصرية شامخة، تحول الصدمة إلى صبر، والفوضى إلى حياة، والإرهاق إلى حب لا ينتهي، وأب صبور يعمل بلا كلل لتوفير الحياة الكريمة. ورغم اختلاف التفاصيل بين الماضي والحاضر، تبقى الحقيقة قائمة: أن الدراما، مهما حاولت الاقتراب من الواقع، تظل ناقصة مقارنة بتجربة أم واحدة تنجب أكثر من طفل وتمنحهم جميعًا الحياة.
