
في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
شهدت القارة الأفريقية طفرة كبيرة في استخدام الإنترنت والخدمات الرقمية في السنوات الأخيرة، وخاصة بين الشباب الذين يشكلون “الجيل الرقمي”، مما أدى لانتشار التكنولوجيا بشكل واسع في جميع أنحاء القارة.
لكن هذا التوسع الرقمي كشف عن تحديات كبيرة في الأمن السيبراني، بما في ذلك زيادة الاحتيال والهجمات الرقمية، حملات التضليل والتلاعب بالرأي العام، وتحول الصراعات إلى الفضاء السيبراني، وكل هذا يحمل تبعات مكلفة وخطيرة.
في هذا السياق، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة بحثية للباحث مصطفى جالي بعنوان “الأمن السيبراني في أفريقيا بين التحديات المحلية والرهانات الإستراتيجية“، تناولت قضايا وملفات الأمن السيبراني في أفريقيا، أبرز التحديات والاتجاهات المستقبلية.
وتناولت الورقة البحثية أربعة محاور رئيسية، تشمل:
الاتجاهات الرئيسية للتهديدات السيبرانية في أفريقيا، التدابير اللازمة لتعزيز الأمن السيبراني في القارة، التحديات السيبرانية التي تواجهها أفريقيا، والرهانات الدولية المطروحة في هذا المجال.
وفقًا لبيانات الإنتربول، انضم أكثر من 160 مليون مستخدم جديد إلى الفضاء السيبراني بين عامي 2019 و 2022، بالتزامن مع تطور البنية التحتية الرقمية، مثل الخدمات المصرفية، التجارة الإلكترونية، ومنصات التواصل الاجتماعي، وتعد الهواتف المحمولة الوسيلة الأساسية للوصول إلى الإنترنت في القارة، حيث يقدر عدد المستخدمين بنحو 650 مليون، معظمهم من الشباب الذين يمثلون 60% من سكان أفريقيا.
مع تزايد الاعتماد على الإنترنت، تتفاقم الخسائر المالية الناجمة عن الجرائم السيبرانية، والتي تجاوزت 4 مليارات دولار أمريكي، أو ما يعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي للقارة، وفقًا لتقديرات الإنتربول، هذا الرقم الضخم يضع على عاتق القارة الأفريقية مسؤولية حتمية لمعالجة قضية الأمن السيبراني.
إضافة إلى ذلك، هناك أضرار أخرى تشمل تعطيل الخدمات، فقدان ثقة المواطنين بالحكومات، اتساع الفجوة الرقمية، سرقة البيانات، التدخل في الانتخابات، انتهاكات حقوق الخصوصية وحرية التعبير، وغيرها من الحقوق الأساسية للمواطنين.
الهواتف المحمولة هي بوابة الإنترنت الرئيسية في أفريقيا، حيث يستخدمها ما يقدر بنحو 650 مليون شخص، أي حوالي 60% من السكان.
اتجاهات التهديد السيبراني
يشهد عام 2023 ارتفاعًا في عدد التهديدات السيبرانية وتعقيدها في أفريقيا، حيث زادت بنسبة 23% عن متوسط الهجمات الأسبوعية لكل مؤسسة في عام 2022، وهو أعلى معدل عالميًا، وقد صنّف أكثر من ثلثي الدول الأفريقية المخاطر السيبرانية على أنها متوسطة إلى عالية ضمن نطاقها القضائي، كما تتسم هذه الهجمات بالتنظيم والتعقيد في بعض الحالات.
تتصدر هجمات الفدية (الأكثر خطورة) وعمليات الاحتيال عبر الإنترنت (الأكثر شيوعًا) قائمة التهديدات السيبرانية، وتكمن خطورة هذه التهديدات في تأثيرها المالي الكبير وقدرتها على تعطيل البنية التحتية والخدمات الحيوية، وتشير إحدى الدراسات إلى أن مؤسسة من بين كل 15 مؤسسة تعرضت لمحاولة استهداف ببرامج الفدية أسبوعيًا خلال الربع الأول من عام 2023، أي ضعف المعدل العالمي.
كما يتم استهداف البنية التحتية الرقمية بشكل خاص، حيث أفادت حوالي نصف دول القارة بتعرض بنيتها التحتية لهجمات الفدية خلال عام 2023، وشمل ذلك استهداف البنوك، مزودي خدمات الإنترنت، ومختلف الخدمات الحكومية، حتى أن الشبكة الداخلية للاتحاد الأفريقي كانت هدفًا لإحدى هذه الهجمات.
للتهديد السيبراني بعد جيوسياسي وأمني، حيث تدعم بعض الدول هجمات التجسس أو الفوضى في الدول الأفريقية، وتستخدم هذه الهجمات كأحد أساليب الحرب غير التقليدية، جنبًا إلى جنب مع الحملات الإعلامية والدبلوماسية في صراع النفوذ بين الصين، الولايات المتحدة، وروسيا في القارة.
على سبيل المثال، تستخدم روسيا شبكات دعائية رقمية تدعم الأنظمة الاستبدادية الضعيفة في دول مثل مالي، السودان، وبوركينا فاسو، وتنشر محتوى مواليًا لها من خلال مؤثرين محليين يصعب كشف ارتباطهم بموسكو، وكشفت التقارير عن إدارة أكثر من 175 صفحة على فيسبوك في 21 دولة أفريقية بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، بهدف تصوير الحرب على أنها مؤامرة غربية.
مستويات متفاوتة من الالتزام
وفقًا للمؤشر العالمي للأمن السيبراني لعام 2024، هناك 7 دول أفريقية فقط حصلت على تقييم “دور نموذجي”، وهو تصنيف للدول التي تظهر التزامًا قويًا بالأمن السيبراني، فيما تتوزع باقي دول القارة على تصنيفات أخرى: مستوى متقدم (4 دول)، قيد التأسيس (18 دولة)، في مرحلة التطور (21 دولة، أي 38,9% من دول القارة)، وأخيرًا التصنيف الأضعف “المرحلة الأولى من البناء” الذي يضم 4 دول.
في المقابل، هناك مؤشرات إيجابية تدل على تقدم ملحوظ، فقد اعتمدت أكثر من 12 دولة أفريقية تشريعات جديدة لمكافحة الجرائم السيبرانية، أو شاركت في اعتمادها، وفي عام 2023، أنشأت المزيد من الدول وحدات متخصصة في الجرائم الإلكترونية، وزاد ما يقرب من نصفها من مستويات التوظيف، وأفاد أكثر من 60% منها بمشاركتها في مبادرات بناء القدرات، بالإضافة إلى أكثر من 130 مبادرة تدريبية و 40 حملة توعية عامة في القارة.
أظهرت دول مختلفة تحسنًا ملحوظًا في تعزيز أمنها السيبراني، حيث شهدت جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب إفريقيا أكبر التحسينات في التدابير التنظيمية، في حين حققت الغابون، الرأس الأخضر، وجزر القمر تقدمًا في التدابير القانونية، وعززت إثيوبيا تدابير التعاون، بينما حققت توغو تقدمًا في تدابير تنمية القدرات، كما سجلت إسواتيني، توغو، وجمهورية الكونغو الديمقراطية أعلى معدلات النمو في القارة.
يظهر التفاوت أيضًا على المستوى الإقليمي، حيث تتصدر منطقة شمال إفريقيا جهود الأمن السيبراني، بينما تتخلف منطقة إفريقيا الوسطى، مع وجود أنماط مماثلة في مناطق شرق وجنوب وغرب القارة، وعلى الرغم من هذه الفجوات، تظل هناك حاجة ملحة لإعطاء الأولوية للتدابير التقنية وتنمية القدرات.
يشكل الأمن السيبراني عنصرًا أساسيًا في أجندة الاتحاد الإفريقي 2063، واستراتيجية التحول الرقمي، مع التأكيد على أهمية التعاون الدولي، بما في ذلك دعم جهود الأمم المتحدة، وتعتبر اتفاقية مالابو 2014 خطوة رائدة في تشريع الأمن السيبراني وحماية البيانات، ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ إلا في عام 2023 بعد توقيع 15 دولة عليها، مع وجود تداخل بين أعضاء اتفاقيتي مالابو وبودابست.
تم تكثيف الجهود من خلال إنشاء مركز تنسيق إفريقي في لومي عام 2022، وبتوصيات من مجلس السلم والأمن لتطوير استراتيجيات وطنية وإقليمية، كما اعتمدت التكتلات الإقليمية مثل “الإيكواس”، “الكوميسا”، و “السادك” قوانين ونماذج سياسات لتعزيز الأمن السيبراني، بالإضافة إلى أطر إقليمية مثل “أفريقيا سيرت” و”أفريقيا بول” التي تركز على بناء القدرات، التشريعات، والتعاون الدولي، بدعم من منظمات المجتمع المدني ومؤسسات مثل إي سي بي إف.
اتفاقية مالابو 2014 خطوة مهمة نحو تشريع الأمن السيبراني وحماية البيانات، ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ إلا في عام 2023، بعد أن وقعت عليها 15 دولة.
تحدّيات مركّبة
يواجه الأمن السيبراني في أفريقيا تحديات معقدة تشمل الأبعاد البشرية، المؤسسية، الثقافية، المالية، التقنية، التشريعية، والسياسية.
تعتبر التحديات الثقافية من بين أهم العقبات التي تواجه القارة في مجال الأمن السيبراني، حيث يقلل العديد من المؤسسات والأفراد من شأن المخاطر السيبرانية، أو يعتبرونها مشكلة تقتصر على الشركات متعددة الجنسيات، ويرجع ذلك إلى أن الشركات لا تولي أهمية كبيرة للأمن السيبراني، فقد كشف استطلاع أجري عام 2021 وشمل 300 جهة فاعلة في مختلف القطاعات أن أكثر من نصف الشركات تدرك أهمية الأمن السيبراني، لكنها لا تعتبره أولوية، في حين أن أقل من ثلث الجهات الفاعلة ترى أن الأمن السيبراني موضوع ذو أولوية.
تواجه القارة أيضًا نقصًا في الكفاءات والخبراء في مجال الأمن السيبراني، بالإضافة إلى ضعف برامج التدريب والتأهيل التكنولوجي، وعدم كفاية دمج مواضيع الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية، وفي المقابل، هناك مؤشرات تدل على سعي الدول الأفريقية إلى سد هذه الفجوة، على سبيل المثال، أبلغت 4 دول على الأقل الإنتربول أنها أنشأت وحدة للجرائم السيبرانية أو تخطط لإنشائها.
هناك تحد آخر مرتبط بذلك، وهو نقص الموارد المالية، حيث تنفق ثلثا الشركات الأفريقية الكبيرة التي شملها أحد الاستطلاعات أقل من 20 ألف يورو سنويًا على الأمن السيبراني، في ظل غياب الحوافز لتعزيز الابتكار وضعف الاستثمار في هذا المجال الحساس.
يتعين على القارة الأفريقية اتخاذ عدد من الخطوات لمواجهة التحدي السيبراني، بما في ذلك مواجهة الدعاية الخارجية، تعزيز القدرات الدفاعية، حماية السيادة الرقمية، وتعزيز المشاركة الدولية.