كيف يكشف لنا تأثير دانينج–كروجر حدود معرفتنا؟
هل شعرت يومًا أنك تفهم كل شيء، ثم اكتشفت لاحقًا أنك لم تكن تعرف أي شيء على الإطلاق؟ هذه ليست مجرد مصادفة، بل هي ظاهرة نفسية موثقة تُعرف باسم تأثير دانينج–كروجر (Dunning–Kruger Effect).
مراحل رحلة التعلم
يمر الإنسان في رحلة التعلم بمراحل مماثلة لمنحنى تأثير دانينج–كروجر، الذي يوضح كيف تتغير ثقة الشخص بنفسه مع اتساع معرفته وخبراته، في البداية، وعند اقتراب المعرفة من الحدود، يصعد الشخص بخفة إلى ما أطلق عليه العالمان ديفيد دانينج وجوستين كروجر “قمة الغباء” (Peak of Mount Stupid)، حيث يرى نفسه وكأنه يدرك جميع الحقائق، بينما تُغشى سحب الجهل الأفق أمامه، فكلما كان علمه أقل، تضخمت يقينياته، وحينما يكتشف تعقيد العلم، يتلاشى يقينه في انهيار حاد كما تتدحرج صخرة من قمة مرتفعة.
الوصول إلى وادي اليأس
بعد هذا الانكشاف، يدخل الشخص ما يسمى وادي اليأس (Valley of Despair)، حيث يواجه إدراك كم كان يجهل، ويغمره مجموعة من الأسئلة المربكة، مثل: كيف لم أدرك هذا من قبل؟، وكيف اعتقدت أنني أعلم؟، هذه السقطة ليست نهاية الطريق، بل تعتبر بدايته.
التقدم نحو التنوير
مع مرور الوقت، يبدأ الشخص في التكيف مجددًا وينطلق في رحلة الصعود من جديد على منحدر التنوير (Slope of Enlightenment)، وخطوة بخطوة، يكتسب الخبرة، ويتعلم من أخطائه، ويكتشف لذة الفهم الحقيقي بعد أمد من الظن والمعاناة.
هضبة الحكمة والاستقرار
حتى يصل أخيرًا إلى هضبة الحكمة والاستقرار (Plateau of Sustainability)، حيث ينضبط توازنه بين المعرفة والتواضع، بين الفهم والهدوء، وبين العلم والإيمان بحدود النفس، فإن أعظم ما يمكن أن يمتلكه الإنسان هو وعيه بجهله، وسعيه الصادق نحو الحقيقة، بتواضع وثبات، فالعلم يرتفع بك، والتجربة تزكيك، والتواضع يقاوم الغرور الذي يسقط العظماء قبل غيرهم.
رضا حجازي
أستاذ دكتور المناهج وطرق التدريس
رئيس جامعة الريادة
وزير التربية والتعليم والتعليم الفني السابق
