الدولار يرفع مصروفات المدارس الدولية جدلا في مصر

في واقعة أثارت جدلاً واسعًا، شهدت إحدى المدارس الدولية بالتجمع الخامس بالقاهرة، مطلع شهر نوفمبر الجاري، احتجاز طالبة في المرحلة الابتدائية بسبب تأخر والدها في سداد قسط المصروفات، الأمر الذي تكرر رغم مطالبة الأب للإدارة بالاعتذار.

بعد أن قام الأب بنشر تفاصيل الأزمة على موقع “فيسبوك”، سارعت وزارة التربية والتعليم المصرية بالتدخل، ووضعت المدرسة تحت إشرافها المالي والإداري، مع فتح تحقيق شامل في الشكوى التي تبين أنها لم تكن فردية، بل طالت عددًا كبيرًا من أولياء أمور الطلاب في المدرسة نفسها.

وفي سياق متصل، كشف العديد من أولياء أمور طلبة المدارس الدولية، أن هذه المدارس تفرض عليهم الدفع بالعملة الأجنبية، بل إن بعضها يطلب تحويل جزء كبير من المصروفات الدراسية إلى حسابات خارج مصر، مع دفع الجزء المتبقي بالجنيه المصري في حسابات بنكية داخل البلاد.

لماذا الإصرار على الدفع بالعملة الصعبة؟

يقول أحمد حمادي، ولي أمر أحد الطلاب في مدرسة دولية بالقاهرة، إن إدارة المدرسة دأبت على مدى السنوات الأربع الماضية على إرسال رابط دفع فريد لأولياء الأمور، يمكنهم من خلاله سداد المصروفات بالعملة الأجنبية التي تحددها الإدارة.

وأضاف حمادي، في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن الإدارة تطلب من بعض أولياء الأمور دفع الرسوم الدراسية بالدولار الأميركي، في حين قد يُطلب من مراحل تعليمية أخرى الدفع باليورو أو الجنيه الإسترليني، وذلك حسب البنك الخارجي الذي سيتم التحويل إليه.

علاوة على ذلك، يوضح حمادي، أن المدرسة ما زالت تعتمد على تحقيق أرباح بالدولار الأميركي من استمارات التقديم، حيث يضطر ولي الأمر إلى دفع مبلغ يتراوح بين 200 و 250 دولارًا مقابل ملء استمارة التقديم لطفله في المدرسة، قبل أن تقوم الإدارة بالتواصل معه لتحديد موعد المقابلة.

وأكد حمادي، أن التعليم في المدارس الدولية قد يبدو جذابًا للبعض، إلا أن الواقع يشير إلى أن النظام التعليمي المتبع في المدارس الحكومية حاليًا يجعلها أكثر قوة، على الرغم من الفارق في الإمكانات بين التعليم المدفوع والمجاني أو شبه المجاني، وهو ما يعكس تدهور مستوى التعليم الدولي والخاص.

التعليم تردى.. أولياء الأمور يتذمرون

تزايدت شكاوى أولياء الأمور من ارتفاع تكاليف التعليم الدولي وتراجع مستواه، مما دفع البعض إلى التفكير جديًا في نقل أبنائهم إلى المدارس الحكومية، التي شهدت تحسنًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة.

التعليم تجارة رابحة.. أم حق مكفول؟

يثير إصرار بعض المدارس الدولية على تحصيل الرسوم بالعملة الصعبة تساؤلات حول أولويات هذه المؤسسات، وهل التعليم بالنسبة لها مجرد تجارة رابحة أم حق أساسي يجب أن يكون متاحًا للجميع؟

الوزارة توضح أسباب ارتفاع المصروفات

أوضح مصدر في وزارة التربية والتعليم، أن الوزارة تحدد نسب الزيادة السنوية التي يجب على المدارس تطبيقها، إلا أن أغلب المدارس الخاصة والدولية تقوم بفرض زيادات أكبر، وبالتالي تلجأ إلى طرق مختلفة للتهرب من إثبات هذه الزيادات.

وأضاف المصدر، في تصريحه لـ “سكاي نيوز عربية”، أن بعض المدارس تهدف إلى إخفاء المبالغ الحقيقية التي تحصل عليها من أولياء الأمور، لذلك تقوم بإرسال روابط دفع مؤقتة لولي الأمر، يقوم من خلالها بالدفع وإرسال الإشعار للمدرسة لإثبات إيداع المبلغ بالعملة الصعبة.

وأشار إلى أنه في الوقت نفسه، يتم دفع جزء من المصروفات الدراسية بالعملة المصرية في بنك مصري، سواء كان حكوميًا أو خاصًا، حيث تتسلم إدارة المدرسة إيصالات يتم عرضها على الوزارة، لكنه أكد أن هذا الإجراء ليس عامًا، بل تتبعه بعض المدارس، في حين تلتزم مدارس أخرى بالقرارات الوزارية وتخضع للقانون بشكل كامل.

ماذا يقول القانون المصري؟

أكد الخبير التربوي والمستشار السابق لوزارة التعليم، الدكتور محمود حسين، أن واقعة مدرسة التجمع الخامس أثبتت يقظة الوزارة وسرعة تعاملها مع الإدارات التي تخالف القانون المصري وقرارات الوزير الخاصة بتنظيم العملية التعليمية.

وشدد حسين، في تصريح خاص لموقع “سكاي نيوز عربية”، على أن تصرف إدارة المدرسة باحتجاز الطالبة “فريدة” داخل أحد الفصول لأكثر من ثلاث ساعات بسبب تأخر والدها في سداد المصروفات، يعد انتهاكًا لأبسط الحقوق الإنسانية، ويعتبر بمثابة ترويع لطفلة في عمر الزهور.

وأكد الخبير التربوي أن أحكام القانون رقم 139 لسنة 1981 بشأن التعليم ولائحته التنفيذية، والقرارات الوزارية المنظمة لعلاقة ولي الأمر بالمدارس الخاصة والدولية، تجرم أي تصرفات تضر الطلاب نفسيًا أو جسديًا، وهو ما وضع إدارة المدرسة تحت طائلة المساءلة القانونية.

وأشار إلى أن القانون المصري ينص على أن التعليم حق أصيل لا يجوز ربطه بالقدرات المالية لأولياء الأمور، وعلى الرغم من أن هذه المدرسة دولية خاصة وتفرض مصروفات كبيرة، إلا أن القانون يمنع العقاب البدني أو النفسي لإجبار الآباء على التعجيل بدفع المصروفات الدراسية.

وأوضح: “المدرسة خالفت كذلك المادة 280 من قانون العقوبات التي تجرم حبس الأشخاص دون وجه حق، كما خالفت قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 الذي يحمي الأطفال من أي معاملة قاسية أو مهينة في المؤسسات التعليمية، وهو ما يجعل موقف الوزارة قانونيًا تمامًا”.

هذا المقال لا ينتمي لأي تصنيف.