
في عالم يسوده الطموح إلى تحقيق الثراء السريع، تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحة واسعة يتنافس فيها الملايين لجني الأرباح، دون الاهتمام دائمًا بجودة المحتوى أو مدى توافقه مع القيم والأخلاق السائدة، حيث أصبحت هذه المنصات وسيلة لتحقيق الأحلام المالية، بغض النظر عن التبعات المحتملة على المجتمع، لهذا السبب يجب أن نتعرف على كيفية تحقيق الربح من المحتوى بطرق سليمة ومسؤولة، مع مراعاة المعايير الأخلاقية والقانونية
لم تعد منصات التواصل الاجتماعي مجرد وسيلة للتواصل والتفاعل، بل أصبحت أيضًا فضاءً خصبًا لتحقيق الأرباح وجني الأموال، فمن خلال إنشاء محتوى جذاب ومبتكر، يمكن للأفراد والشركات الوصول إلى جمهور واسع وتحقيق النجاح المالي، ومع ذلك، يجب أن ندرك أن هذه الفرص تأتي مع مسؤولية كبيرة، حيث يجب علينا الالتزام بالمعايير الأخلاقية والقانونية، وتجنب نشر المحتوى الضار أو المضلل، فبالتأكيد، يمكننا الاستفادة من هذه المنصات لتحقيق أهدافنا المالية، ولكن يجب أن نفعل ذلك بطريقة مسؤولة ومستدامة
كيف تتحول المقاطع إلى أموال؟
انتشرت العديد من المقاطع المصورة التي تخالف قوانين تقنية المعلومات وتعتبر “خادشة للحياء” على منصات التواصل الاجتماعي في مصر، وخاصة “تيك توك”، مما دفع الأجهزة الأمنية المصرية إلى تلقي عشرات البلاغات، وشن حملات للقبض على المؤثرين المتورطين في نشر هذا المحتوى المخالف، حيث أن هذه الظاهرة أثارت جدلاً واسعًا حول مدى تأثير هذه المنصات على القيم والأخلاق في المجتمع، وأهمية وضع ضوابط وقوانين تنظم المحتوى المنشور عليها
أوضح محمد حنفي، مدير أكاديمية التسويق الرقمي التابعة لوزارة الاتصالات المصرية، في تصريح لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن الربح من منصات التواصل الاجتماعي يتعدد بطرق مختلفة، مثل زيادة عدد المشاهدات، أو الحصول على الإعلانات والرعاية من الشركات، حيث تعمل هذه المنصات بنظام تقاسم الأرباح مع صناع المحتوى، مما يشجعهم على تقديم محتوى يجذب المزيد من المشاهدين والمعلنين، وبذلك تحقيق أهدافهم المالية
أشار حنفي إلى أن “تيك توك” هي المنصة الأكثر شهرة في مصر حاليًا، والتي أصبحت مصدر دخل رئيسي لعدد كبير من صناع المحتوى، حيث تعتمد المنصة على زيادة المشاهدات في البث المباشر، والهدايا التي يقدمها المشاهدون عن طريق “التكبيس” أو النقر المتكرر أثناء البث لزيادة التفاعل، مما يخلق بيئة تنافسية بين صناع المحتوى لجذب أكبر عدد ممكن من المشاهدين والهدايا
أوضح حنفي أن قيمة الهدايا المقدمة من المشاهدين لصناع المحتوى على “تيك توك” تختلف، وتعتبر هدية الأسد من أغلى الهدايا، حيث تعادل قيمتها حوالي 20 ألف جنيه مصري، ويحصل صانع المحتوى على نسبة تزيد عن 50% من قيمتها، بينما تعتبر هدية الوردة من أقل الهدايا قيمة على “تيك توك”، حيث تبلغ حوالي 22 جنيهًا مصريًا فقط، وهذا التفاوت الكبير في قيمة الهدايا يعكس مدى التنافس بين صناع المحتوى لجذب المشاهدين وزيادة أرباحهم
أضاف حنفي أن الأرباح التي يجنيها صناع المحتوى من منصات التواصل الاجتماعي تنقسم إلى قسمين، الأول هو الشرعي أو القانوني، حيث يتلقى صناع المحتوى أموالًا مقابل تقديم محتوى هادف يتوافق مع الآداب والذوق العام، ويحظى بشعبية كبيرة بين مستخدمي المنصات، أما القسم الثاني فهو غير الشرعي، والذي يثير الكثير من الشكوك، حيث يجني بعض الأشخاص أموالًا طائلة مقابل تقديم محتوى مخالف لمبادئ وقيم المجتمع، مما يتطلب تدخل الجهات المختصة للتحقيق في هذه الممارسات ومحاسبة المخالفين
أكد حنفي أنه تم رصد عمليات “غسيل أموال” تتم عن طريق صناعة المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن المقاطع المصورة غير الهادفة والمخالفة لقانون تقنية المعلومات منتشرة منذ فترة طويلة على هذه المنصات، إلا أنها زادت وتيرتها في الآونة الأخيرة، وشدد على ضرورة محاسبة أي شخص يقوم بإنتاج محتوى “خادش للحياء” أو يتعارض مع عادات وتقاليد المجتمع المصري، وذلك للحفاظ على القيم والأخلاق الحميدة في المجتمع
سهولة “تيك توك”
أكد مصطفى أبو جمرة، خبير أمن وتكنولوجيا المعلومات، في تصريح لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن صناعة المحتوى الرقمي أصبحت الأكبر والأكثر انتشارًا مقارنة بالمحتوى التقليدي على التلفزيون، كما أن أدوات إنتاجها أصبحت سهلة ومتاحة للجميع، حيث يمكن لأي شخص لديه هاتف ذكي واتصال بالإنترنت أن يصبح صانع محتوى، وهذا ما ساهم في انتشار هذه الظاهرة وتوسعها بشكل كبير
أفاد أبو جمرة بأن صناعة المحتوى تعتمد بشكل أساسي على المشاركة في أرباح الإعلانات مع المنصات، موضحًا أن منصة “تيك توك” قدمت طريقة جديدة للربح، وهي الهدايا المدفوعة التي يقدمها المتابعون في البث المباشر، حيث أصبحت هذه الهدايا مصدر دخل إضافي لصناع المحتوى، وتشجعهم على تقديم محتوى أكثر جاذبية وإثارة للاهتمام
أوضح أبو جمرة أن قيمة هدايا “تيك توك” تختلف بشكل كبير، حيث يشتريها المتابعون باستخدام طرق الدفع الرقمية المختلفة، مثل البطاقات البنكية وغيرها، وأكد أن هذا النظام قد تم استغلاله في أعمال غير مشروعة، حيث أصبح وسيلة لغسيل الأموال من خلال تقديم هدايا مرتفعة الثمن لأصحاب البث المباشر، ثم استعادتها منهم مقابل نسبة صغيرة لهم، وهذا يمثل خطرًا كبيرًا على المجتمع، ويتطلب تدخل الجهات المختصة لمكافحة هذه الممارسات