
يعد الآيس كريم رفيق الصيف المفضل، غير أن معضلته الكبرى أنه يذوب سريعاً مع ارتفاع الحرارة، فهل بوسع الأبحاث العلمية ابتكار طريقة تبقيه بارداً ومتماسكاً لفترة أطول، وتمنحنا وقتاً كافياً للاستمتاع بنكهاتنا المفضلة دون فوضى.
في قيظ الصيف لا شيء يضاهي متعة قرمشة مخروط آيس كريم طازج، لكن الإحباط يتسلل سريعاً عندما تبدأ الكتلة الكريمية في الانسياب على الأصابع أو تفلت وتسقط بالكامل، مشهد قد يحوّل اللحظة الحلوة إلى دموع طفل صغير.
صحيح أن لذة بعض الأشياء تتعاظم لقصر عمرها، لكن الأمر يختلف مع الآيس كريم، فذوبانه المبكر ليس تفصيلة يمكن التغاضي عنها عندما نريد قواماً ثابتاً ومذاقاً متماسكاً.
خلال أعوام مضت برزت تقارير عن مصاصات مجمدة من شركة كانازاوا آيس اليابانية ثم ظهر آيس كريم طري يتحمل حرارة مرتفعة نسبياً بلا ذوبان سريع.
نجح باحثون في إنتاج هذا النمط مستخدمين جرعات مرتفعة من البوليفينولات، وهي مضادات أكسدة طبيعية تتوافر في فواكه عديدة، وكانت النتيجة لافتة بثبات قوام الآيس كريم وتراجع آثار الذوبان والبلل على الأصابع، لكن كيف تحقق ذلك.
التركيبة الأساسية للآيس كريم تمزج الكريمة بالسكر، ثم يُدار المزيج داخل أسطوانة مبردة بشدة، ومع التجمد يجري كشط الطبقات وتجهيزها للبيع، هذه التقنية تحد من نمو بلورات الثلج وتشوه القوام، وهو أمر يزداد أهمية عندما نرغب في حفظ الآيس كريم للاستهلاك المنزلي لا تناوله فوراً.
تتشكل البلورات غير المرغوبة غالباً بسبب دورات التسخين الطفيفة أثناء النقل من المصنع ثم إعادة التجميد في المتاجر، إذ يكفي ارتفاع بسيط في الحرارة ليبدأ الذوبان ثم يعاد التجميد فتكبر البلورات ويخشن القوام.
وللتقليل من هذا الأثر يلجأ المنتجون إلى مثبتات مثل الكاراجينان المستخرج من الأعشاب البحرية وصمغ القوار المأخوذ من بذور القوار، وتساعد هذه المكونات في حماية القوام خلال الرحلات الطويلة من خطوط الإنتاج إلى الثلاجات التجارية.
عندما شاهدت عالمة الأغذية كاميرون ويكس، التي كانت بجامعة ويسكونسن وتعمل الآن في جنرال ميلز، مقطعاً لآيس كريم من كانازاوا لا يذوب، تساءلت عن قدرة البوليفينولات على تعزيز ثبات الآيس كريم ومقاومته للانهيار.
البوليفينولات معروفة بفوائد صحية محتملة أكثر من خصائص هندسية، وفي المختبر بدأ الفريق برفع تركيز البوليفينول تدريجياً في خلطات الكريمة، واختاروا حمض التانيك كنموذج للاختبار.
تمت مزج الكريمة مع حمض التانيك بتركيزات 0.75 في المئة و1.5 في المئة و3 في المئة، ولوحظ أن التركيزات الأعلى تتسبب في تكاثف شبه فوري للقوام.
بعد تبريد الخلطات لمدة أربع وعشرين ساعة أظهرت القياسات أن حمض التانيك أحدث تجلطاً قوياً ومنع الذوبان، حتى أنهم تمكنوا من قطع مزيج تركيز 3 في المئة بسكين، ولم يسقط من الكوب عند قلبه رأساً على عقب.
وتحت المجهر رصدت ويكس ازدياد وضوح كريات الدهون مع التركيزات المرتفعة، ليستنتج الفريق أن حمض التانيك يرتبط ببروتينات الكريمة مشكلاً شبكة وقائية تمنع اندماج الكريات الدهنية وتغير البنية، ما يعرقل الذوبان ويثبت القوام.
هذا يفسر قدرة الآيس كريم المعزز بالبوليفينول على مقاومة الذوبان، إذ إن الدهون المنفلتة من بلورات الكريمة لا تندمج وتسيل بسهولة بفضل هذا الحاجز البروتيني.
لكن هذه الحيلة الكيميائية لا توقف الزمن ولا تتجاوز قوانين الفيزياء، فهي تعمل بمثابة دعامة تعزز البنية وتحافظ على الشكل قدر الإمكان.
وفي اختبارات لاحقة لاحظت ويكس أن المنتج النهائي يكتسب ملمساً يميل إلى البودينغ مع بقاء الشكل العام ثابتاً نسبياً، كما أن البوليفينولات لا تبقي الآيس كريم بارداً، فهي لا تتحكم في درجة الحرارة الفعلية.
بعبارة أخرى الآيس كريم لا يذوب على الطريقة المعتادة بل يتحول إلى كتلة مطاطية مع الدفء، وهو قوام لا يتوافق مع ما يتوقعه الذهن عند التفكير في حلوى مجمدة ناعمة.
وتبقى لتوقعاتنا الغذائية كلمة الفصل، فلو هممت بتذوق فانيليا كريمية فوجدت قواماً أقرب إلى مهروس سميك فإن التجربة برمتها تتغير، لأن تطابق الملمس مع التوقع عنصر جوهري في المتعة.
ختاماً قد تنضم البوليفينولات إلى قائمة المثبتات الفعالة التي تحفظ قوام الآيس كريم أثناء سلاسل النقل الطويلة، ويبقى السؤال هل سنرى منتجات مصممة لتحمل الحرارة لساعات دون فقدان الشكل في أكشاك البيع القريبة، الإجابة رهن ما ستكشفه التجارب والأسواق في المرحلة المقبلة.