حوار – أمجد مصطفى: نشر في: الأحد 16 نوفمبر 2025 – 1:59 م | آخر تحديث: الأحد 16 نوفمبر 2025 – 2:03 م
• أنا «جوكر» الحفلات الكبيرة.. ودورى تحويل فكر المؤلف إلى واقع • قدمنا الإنسان المصرى صانع الحضارة بلغة يفهمها العالم • الحفل أكد أن مصر دولة سلام وقوة فى آن واحد • عملنا على إعادة المونتاج حتى لا تُظلم أى آلة موسيقية
فى كل احتفالية موسيقية كبرى تشهدها مصر، يقف خلف الكواليس عقل موسيقى هادئ، يجيد تدوين النوتة كما يجيد قراءة اللحظة، يهندس وينظم الألحان بوعى أكاديمى وشغف إنسانى نادر، أحمد الموجى، الذى ورث عن جده الموسيقار الراحل محمد الموجى جينات الموهبة الأصيلة، وأضاف إليها جهدًا ودراسيًا ومعرفة، جعلته واحدًا من أهم العقول الموسيقية الشابة بمصر حاليا، وهو ليس مجرد موسيقى، بل مهندس الاحتفالات القومية الكبرى، من موكب المومياوات الملكية إلى طريق الكباش، وصولًا إلى افتتاح المتحف المصرى الكبير، أحيانًا يظهر اسمه فى العلن، وأحيانًا يكون جندى مجهول، لكن تأثيره حاضر دائمًا بصوت الموسيقى التى تُحاكى روح مصر القديمة وتخاطب وجدان العالم المعاصر، فى هذا الحوار، نقدم قراءة هادئة مع أحمد الموجى موسيقى احتفالية المتحف الكبير، التى ألّفها هشام نزيه وقادها ناير ناجى، وعن الرسائل التى وجهتها مصر للعالم من خلال صوت الحضارة، وصدى المستقبل.
فى حفل المومياوات والمتحف الكبير كنت المدون الأوركسترالى، بينما كنت فى حفل طريق الكباش المؤلف الموسيقى للاحتفالية كاملة، يمكن اعتبارى جنديًّا مجهولًا، لأن الوقت لم يكن يسمح بتعريف دقيق لدور كل شخص، فكل فرد كان يؤدى ما يستطيع من مهام، وكانت الاختصاصات جديدة، ولم يشغلنا حينها إذا كان دور كل واحد معروفًا أم لا، كنا جميعًا نسعى فقط لنجاح المشروع بأى شكل، أما فى المتحف الكبير، أصبحت الأدوار محددة وواضحة، وسرنا وفق المنهج الذى ابتكرناه، بينما فى طريق الكباش كان دورى معروفًا باعتبارى المؤلف الموسيقى للعمل، لكن ما يجرى وراء الكواليس فى المومياوات والمتحف الكبير يصعب توضيحه للجمهور.
ببساطة، المدون الموسيقى يستمع إلى رؤية المؤلف الموسيقى ويحولها إلى نوت موسيقية يمكن للأوركسترا عزفها، دون أن يضيف أو يتدخل، إلا إذا كانت هناك جملة موسيقية فى خيال المؤلف يصعب تنفيذها عمليًا، أما الموزع الموسيقى فله صلاحيات أوسع؛ يمكنه اقتراح تغييرات وإضافة خطوط موسيقية داخلية واختيار الآلات المناسبة.
أحيانًا كنت أطرح اقتراحات تلقى القبول، وأحيانًا تُرفض، وهذا طبيعى، لكن فى بعض المواقف كان لابد أن أوضح له الفارق بين ما يتخيله هشام ذهنيًا وبين ما يمكن تنفيذه واقعيًا بسبب عدد العازفين أو الإمكانات التقنية، وعندها كنا نفكر سويًا لإيجاد مخرج موسيقى مناسب، أو يطلب منى التصرف وفق رؤيته.
هذا صحيح، وكل ذلك يتم تحت إشراف ورؤية المؤلف الموسيقى نفسه، صحيح أن المؤلف الموسيقى يمتلك القدرة على التلحين والتوزيع، لكن الملحن بالضرورة لا يفعل ذلك، فى الماضى، كان قائد الأوركسترا يقوم بدور المدون، لكن مع تعقّد الأعمال الموسيقية وتعدد تفاصيلها، أصبح هذا الدور مهنة مستقلة، أما بالنسبة لى، فهذا جزء من عدة أمور أستطيع القيام بها، ويمكن أن تعتبرنى «جوكر» فى أى عمل يُسند إليّ.
نعم، كانت هناك ثلاث لوحات موسيقية، أُرسلت لكل أوركسترا موسيقاها الخاصة، بحيث تمثل كل منها قارة مختلفة، وكل أوركسترا قدمت الجملة الموسيقية ذاتها ولكن بطريقتها الخاصة، مستخدمة آلاتها التى تعبر عن ثقافتها، رسالتنا أن الحضارة المصرية كانت دائمًا منارة للعالم، ومصدر إلهام للبشرية، وأراد الجميع أن يشاركنا الحدث برؤيته وثقافته.
لو شاهدنا الاحتفالية بهدوء لوجدنا أنها كانت رحلة موسيقية متكاملة، والمقطوعة الأولى تحدثت عن الوصول إلى مصر، تلتها مقطوعة تعبّر عن التقدم إلى الأمام، الفكرة كانت تقديم الإنسان المصرى صانع الحضارة بشكل معاصر، وهشام نزيه أراد أن يُوحد اللغة الموسيقية، وأن يقدم الحضارة المصرية بعين معاصرة، كما أن الأوبرا ـ بما تتضمنه من غناء وألحان ـ هى الفن الأكثر فهمًا عالميًا، لذا قُدّم الحاضر بلغة عالمية، احتفالًا بمتحف يجسد الماضى، أما عن الآلات القديمة، فقد ظهرت بالفعل، وربما لم يلتقطها المشاهد من المرة الأولى، لكننا تداركنا ذلك بعد إعادة المونتاج والعرض مجددًا، وكنت شخصيًا ضمن فريق الإخراج لضمان عدم ظلم أى آلة موسيقية أو تجاهلها.
نعم، لكن الهدف كان مختلفًا؛ أردنا القول أن المصرى صاحب حضارة متنوعة وثقافة متجددة، لذلك وجدنا المرنم والشيخ والغناء النوبى جميعًا، كانت بانوراما تعبّر عن تطور مصر والعصور التى مرت بها، من القبطى إلى الإسلامى إلى المولوى، وكل ذلك تم تلخيصه فنيًا فى دقيقتين فقط.
ربما السبب هو كثافة المعلومات الموسيقية والبصرية، هناك مقاطع ارتبطت بمراسم استقبال الضيوف، ثم بدأت الاحتفالية نفسها التى امتدت نحو ساعة تقريبًا، ما أعطى انطباعًا بالتشعب أو الكثافة لدى البعض.
العامل المشترك بينهم أنهم طيور مهاجرة، يمثلون امتداد الأثر المصرى خارج الحدود، هذا إلى جانب الموهبة الكبيرة التى فرضت نفسها بجدارة، سأتحدث بشكل أكاديمى، الجميع توقع أن يعتمد هشام على شكل موسيقى تقليدى معين، لكنه فاجأنا بتفكير سينمائى يخدم الصورة أولًا، وتعامل كمؤلف موسيقى تصويرية، فكل لوحة موسيقية كانت تحكى قصة خاصة بها، مرتبطة بالسيناريو المقدم له.
بالطبع، فالحضارة المصرية قامت على السلام، لا على الحروب أو احتلال أراضى الآخرين، نحن دولة قوية ومسالمة فى آنٍ واحد، لا نجور على أحد، بالفعل، وأعتقد أن الفكرة كانت من محمد السعدى، وكلمات الأغنية كانت مناسبة تمامًا للحدث، تشعر وكأنها كُتبت خصيصًا لهذا اليوم.
قرابة ستة أشهر، بدأت فى أبريل الماضى، كان همى الأساسى أن أقدم رؤية هشام نزيه بكل أمانة، وأن تصل الفكرة لكل أوركسترا مشاركة حول العالم بنفس الروح، وكان على التأكيد على نظرية أن الموسيقى لغة واحدة يفهمها الجميع، وخلال تلك الفترة تطورت الأفكار كثيرًا، كما أن تأجيل الحفل أتاح لنا فرصة لإعادة التقييم والتطوير.
لا أجد كلمات كافية لوصفه، إنه عمل عبقرى بحق، ومصدر إلهام لى كفنان وموسيقى، هى مسئولية كبيرة، لأننا نمثل وجه مصر أمام العالم، لذلك الإتقان والإخلاص هما الأساس فى أى عمل نقدمه، الفكرة كانت أن يكون كل عنصر من الأوركسترا سفيرًا لبلده يشاهد الحدث وينقله لشعبه، إلى جانب أن الموسيقى توحد الشعوب، ومع ذلك كان هناك عدد كبير من المصريين المشاركين.
هذا الدور أقدمه مع هشام نزيه بشكل شبه حصرى، لأننى أحب موسيقاه، وبعيدًا عن نزيه لا أقوم بذلك إلا فى مشاريع خاصة بى، هذه ليست مجرد مهنة بل جزء من تكوينى كمؤلف موسيقى، بدأ الأمر مع المايسترو نادر عباسى، حيث كنت أجهز له بعض المقطوعات بشكل منظم يصلح للقيادة، وهو أمر كان نادرًا فى مصر، وقدمنا معًا مشاريع عدة، ومن هنا تعرفت على هشام نزيه الذى يرانى مؤلفًا موسيقيًا قبل أى شىء آخر.
لدىّ حفل مع فاطمة سعيد فى لندن 23 نوفمبر عن أعمال محمد عبدالوهاب، وحفل آخر 25 من الشهر نفسه مع الأوركسترا الملكى البريطانى عند الأهرامات، وهو يوم تكريم الموسيقار الراحل عمار الشريعى، بالفعل أعمل على هذا المشروع منذ فترة، ولن يكون حفلًا واحدًا، بل سلسلة حفلات، كل منها يحمل طابعًا مختلفًا يعبر عن عالم محمد الموجى الموسيقى، وهذا بالنسبة لى مشروع العمر، وسأحرص فى كل حفل على أن أراعى طبيعة الجمهور وميوله الفنية.
