
انضمت صحيفة الجارديان البريطانية إلى رحلة إنزال جوي عسكرية أردنية لتقدم مشاهد نادرة من قلب المأساة التي خلّفها الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة.

تبدو غزة من الأعلى كأنها آثار حضارة قديمة أُميط عنها اللثام بعد زمن طويل، مزيج من كتل خرسانية وجدران محطمة وأحياء مثقوبة بالحفر والركام وشوارع مقطوعة لا تقود إلى نهاية، بقايا مدن مُزالة كما وصفتها الصحيفة.
هنا لم تقع كارثة طبيعية ولم يمر الزمن ببطء، كانت غزة حتى أقل من عامين مدينة نابضة بالحياة رغم الصعوبات التي عاشها سكانها آنذاك، أسواقها تعج بالناس وشوارعها تمتلئ بالأطفال، تلك غزة لم تُطمر تحت بركان ولم يُمح تاريخها بل أطاح بها هجوم عسكري إسرائيلي ترك خلفه مشهدًا يبدو كأنه من زمن ما بعد النهاية.

حصلت الجارديان الثلاثاء على موافقة للانضمام إلى طائرة عسكرية أردنية حاملِة للمساعدات، وكانت إسرائيل قد أعلنت الأسبوع الماضي استئناف عمليات الإنزال الجوي الإنساني المنسق فوق غزة تحت ضغط دولي متزايد بسبب النقص الحاد في الغذاء والإمدادات الطبية الذي بلغ حد أزمة تهدد بكارثة إنسانية.
الرحلة لم تقتصر على مشاهدة إسقاط نحو ثلاثة أطنان من المساعدات وهي كمية لا تكفي بالطبع للقطاع الذي يواجه شبح المجاعة، بل منحت أيضًا نافذة فريدة لرؤية منطقة ظلت شبه معزولة عن الإعلام الدولي منذ السابع من أكتوبر وما تلاه من هجوم إسرائيلي، فبعد هجمات حماس في ذلك اليوم منعت إسرائيل دخول الصحفيين الأجانب إلى غزة في خطوة غير مسبوقة في تاريخ الصراع الحديث مثّلت لحظة نادرة يُحجب فيها الإعلام عن ساحة حرب نشطة.

حتى من ارتفاع يناهز ستمائة متر برزت مواقع شهدت أكثر فصول الصراع تدميرًا، مشهد مطبوع بندوب ضرباته الأكثر دموية.
ذكرت الصحيفة أن هذه هي مواقع القصف والحصار التي وثقها الصحفيون الفلسطينيون بشجاعة غالبًا على حساب حياتهم، إذ يرقد أكثر من مئتين وثلاثين صحفيًا فلسطينيًا تحت التراب في قبور حفرت على عجل.


بعد نحو ساعة ونصف من الإقلاع عبرت الطائرة فوق خرائب شمال غزة ومدينة غزة التي تحولت إلى امتداد قاحل من خرسانة منهارة وغبار.
المباني صارت ركامًا والطرق امتلأت بالحفر وأحياء بكاملها سويت بالأرض، ومن ذلك الارتفاع يصعب تمييز السكان، فقط عبر عدسة بكثافة تقريب تبلغ نحو أربعمئة مم ظهرت مجموعة صغيرة تتوزع بين الأنقاض كالإشارة الوحيدة إلى حياة في مكان يبدو غير قابل للسكن.
مع اقتراب الوصول إلى مخيم النصيرات للاجئين فُتح الباب الخلفي للطائرة وانزلقت منصات المساعدات وتبعتها المظلات وهي تهبط نحو الأرض.

