
بينما تحذر الدراسات من آثار الإفراط في استخدام الأجهزة الرقمية على صحة المراهقين، تظهر أبحاث جديدة مفاجأة، وهي أن كبار السن قد يكونون الرابح الأكبر من هذه الثورة التكنولوجية، مما يفتح آفاقًا جديدة لفهم علاقتنا بالتكنولوجيا في مختلف مراحل العمر، ويشجع على إعادة النظر في فوائدها المحتملة لكبار السن،
هذه الأدوات التكنولوجية تساهم بشكل فعال في الحفاظ على القدرات العقلية لكبار السن، وتقلل من خطر الإصابة بالخرف، وفقًا لأحدث نتائج الأبحاث التي تسلط الضوء على أهمية التكنولوجيا في دعم صحة الدماغ،
واندا وودز: قصة نجاح تكنولوجي ملهمة
واندا وودز، البالغة من العمر 67 عامًا، هي مثال حي يجسد فوائد التكنولوجيا، حيث بدأت رحلتها في عالم التكنولوجيا في المدرسة الثانوية بتعلم الكتابة على الآلة الكاتبة، ثم انتقلت إلى استخدام معالجات النصوص الضخمة، وصولًا إلى أجهزة الكمبيوتر المكتبية الحديثة،
تعمل واندا اليوم كمدربة في مؤسسة “سينيور بلانيت” التابعة للرابطة الأميركية للمتقاعدين، وتؤكد أن التكنولوجيا تبقيها “على اطلاع دائم بكل ما هو جديد”، كما ذكر تقرير نشرته “نيويورك تايمز” واطلعت عليه “العربية Business”، ما يعكس أهمية التكنولوجيا في حياة كبار السن،
دراسات علمية تكشف الفوائد المعرفية للتكنولوجيا
نشرت مجلة “Nature Human Behavior” دراسات حديثة شملت أكثر من 411 ألف شخص تجاوزوا الخمسين عامًا، وأظهرت نتائجها أن استخدام الحاسوب، أو الهواتف الذكية، أو الإنترنت يرتبط بانخفاض ملحوظ في خطر الإصابة بضعف الإدراك والخرف مقارنةً بأولئك الذين يتجنبون التكنولوجيا، ما يبرز الدور الوقائي للتكنولوجيا ضد التدهور المعرفي،
لماذا التكنولوجيا مفيدة لكبار السن؟
يفسر الخبراء هذه الظاهرة بأن الأجهزة الرقمية تقدم تحديات ذهنية مستمرة، بدءًا من تحديثات البرامج وصولًا إلى حل المشكلات التقنية، وهو ما يحفز الدماغ ويحافظ على نشاطه المستمر،
بالإضافة إلى ذلك، تعزز التكنولوجيا الروابط الاجتماعية من خلال تمكين كبار السن من التواصل مع العائلة والأصدقاء، كما توفر أدوات قيمة للمساعدة على الذاكرة وتنظيم الحياة اليومية بشكل أفضل،
الحذر والاعتدال: مفتاح الاستفادة المثلى
على الرغم من هذه الفوائد الجمة، يحذر الباحثون من المخاطر المحتملة المصاحبة لاستخدام التكنولوجيا، مثل الاحتيال الإلكتروني ونشر المعلومات المضللة، مؤكدين أن الاعتدال هو المفتاح لتحقيق الاستفادة الحقيقية وتجنب الآثار السلبية،
رأي الخبراء: التكنولوجيا تقلب الموازين
يقول مايكل سكولين، عالم الأعصاب الإدراكي في جامعة بايلور: “بين جيل رواد التكنولوجيا الرقمية، ارتبط استخدام التكنولوجيا الرقمية اليومية بانخفاض خطر الإصابة بالضعف الإدراكي والخرف”، وهذا يؤكد على الدور الإيجابي للتكنولوجيا في الحفاظ على صحة الدماغ،
ويضيف الدكتور مورالي دوريسوامي، مدير برنامج الاضطرابات العصبية الإدراكية بجامعة ديوك: “إنها تُقلب الصورة رأسًا على عقب، فالتكنولوجيا دائمًا سيئة، إنها مُنعشة ومثيرة، وتطرح فرضية تستحق المزيد من البحث”، مما يشير إلى أننا بحاجة إلى إعادة تقييم نظرتنا إلى التكنولوجيا،
شارك الدكتور سكولين وجاريد بينج، اختصاصي علم النفس العصبي بجامعة تكساس في أوستن، في تأليف تحليل حديث يدرس آثار استخدام التكنولوجيا على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 50 عامًا (بمتوسط عمر 69 عامًا)،
وقد وجدا أن الأشخاص الذين استخدموا أجهزة الكمبيوتر، والهواتف الذكية، والإنترنت، أو مزيجًا منها، حققوا نتائج أفضل في الاختبارات المعرفية، وشهدوا انخفاضًا في معدلات ضعف الإدراك أو تشخيص الخرف، مقارنةً بأولئك الذين تجنبوا التكنولوجيا أو استخدموها بشكل أقل،
يقول الدكتور سكولين: “عادةً ما نلاحظ تباينًا كبيرًا بين الدراسات”، ولكن في هذا التحليل الذي شمل 57 دراسة وأكثر من 411 ألف من كبار السن، وجد ما يقرب من 90% من الدراسات أن للتكنولوجيا تأثيرًا إدراكيًا وقائيًا،
تجدر الإشارة إلى أن جزءًا كبيرًا من القلق بشأن تأثير التكنولوجيا على الإدراك نشأ من الأبحاث التي أُجريت على الأطفال والمراهقين، الذين لا تزال أدمغتهم في طور النمو،
في الختام، وبينما يتساءل العلماء عما إذا كانت هذه الفوائد ستستمر مع الأجيال الأصغر التي وُلدت في العصر الرقمي، يظل المؤكد أن التكنولوجيا، بالنسبة لجيل واندا وودز، ليست عبئًا بل وسيلة فعالة لإبقاء العقل شابًا في جسد يتقدم في العمر،