«في ذكرى يوبيلها الذهبي».. 23 يوليو: ثورة شعب وجيش سطرت فجر التحرر والكرامة واستعادة السيادة

«في ذكرى يوبيلها الذهبي».. 23 يوليو: ثورة شعب وجيش سطرت فجر التحرر والكرامة واستعادة السيادة

في لحظات الفجر، حين تنطلق صيحات التحرر وتتعالى أصوات الأوطان الثائرة، تولد الثورات التي تحمل في طياتها آمال الشعوب, ولم تكن ثورة 23 يوليو مجرد تاريخ مدون، بل كانت شرارة انطلقت في قلب مصر، وهديرًا دوت به حناجر الضباط الأحرار, لم تكن مجرد حركة عسكرية، بل كانت حلمًا بالعدالة والحرية والكرامة، صرخة مدوية بأن مصر لا تقبل الضيم، وشعبها عصي على الانكسار, في ذلك الفجر، لم يتغير نظام الحكم فحسب، بل تجددت ملامح الوطن، وارتفعت الرؤوس شامخة، وتحدثت مصر بلغتها الحقيقية بعد طول صمت،

ومع كل ذكرى، تتجدد الروايات حول ثورة 23 يوليو 1952، التي أشعل فتيلها الزعيم جمال عبد الناصر ورفاقه الأبطال، الثورة التي أحدثت تحولات عميقة في نسيج المجتمع المصري على كافة الأصعدة،

دور ثورة 23 يوليو في الإصلاح السياسي والاجتماعي

يشير اللواء دكتور نصر سالم، الخبير الاستراتيجي ورئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، إلى الأثر البالغ لثورة 23 يوليو 1952 على مختلف المستويات, ويستحضر مقولة الزعيم جمال عبد الناصر بأن هذا الجيل هو جيل يوليو 1952, ويضيف أنه بالنظر إلى وضع مصر قبل ثلاثة وسبعين عامًا، يكتفي بذكر دراسة أمريكية مذهلة كشفت أن 99.5% من ثروة مصر كانت في يد 0.5% فقط من السكان، مما يعكس خللًا اقتصاديًا واجتماعيًا فادحًا,

ويوضح سالم في حديثه: “إذا كان الوضع الاقتصادي مائلًا بهذا الشكل، فما بالك بالوضع الاجتماعي؟”, حيث كان توفير الأحذية للمواطنين من الأولويات الملحة للأحزاب المصرية, فضلًا عن أن مصر كانت ترزح تحت نير الاحتلال البريطاني لما يقرب من 70 عامًا, وفي هذا السياق، يذكرنا بمذكرات السياسي البريطاني أنتوني إيدن،

اللواء نصر محمد سالم
اللواء نصر محمد سالم

اتفاقية الجلاء

ويتابع سالم قائلًا: “أنتوني إيدن، الذي شغل منصب وزير خارجية بريطانيا عام 1954، لعب دورًا حاسمًا في توقيع اتفاقية الجلاء، التي مهدت الطريق لإنهاء الوجود البريطاني في مصر”, ثم تولى رئاسة الوزراء عام 1956، وهو العام الذي شهد العدوان الثلاثي على مصر من قبل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ردًا على تأميم قناة السويس, ومن المفارقات التاريخية اللافتة، ما ذكره إيدن في مذكراته التي نشرت في التسعينيات،

أقرأ كمان:  «بعد عقود من التحولات».. ثورة يوليو: إرث باقٍ أم ذكرى عابرة؟

ويشير سالم إلى أن إيدن كتب في مذكراته: “كنا نجتمع صباحًا بضباط الثورة لمناقشة ترتيبات الجلاء، ثم يأتينا مساءً ممثلو جماعة الإخوان المسلمين لمطالبتنا بالبقاء في مصر وعدم الانسحاب”, ويضيف: “هذا المشهد العجيب بلغ ذروته في 26 أكتوبر 1954، يوم توقيع اتفاقية الجلاء, ففي الوقت الذي توجه فيه الرئيس جمال عبد الناصر إلى الإسكندرية للاحتفال بهذا الإنجاز التاريخي، تعرض لمحاولة اغتيال في ميدان المنشية، واتُهمت جماعة الإخوان المسلمين بالضلوع فيها, هذه الحادثة تجسد الصراع بين السلطة الجديدة في مصر والجماعة التي كانت تسعى لفرض رؤيتها على مستقبل البلاد”،

اللواء نصر محمد سالم
اللواء نصر محمد سالم

ثورة يوليو.. مصر تحقق استقلالها الحقيقي

ويؤكد رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق أن ثورة 23 يوليو 1952 لم تكن مجرد حركة عسكرية أنهت النظام الملكي، بل كانت نقطة تحول حاسمة وضعت مصر على أعتاب الاستقلال الحقيقي والتنمية الشاملة, ويكفي أن نذكر أن مشروع السد العالي، الذي كان حلمًا بعيد المنال، أصبح حقيقة بفضل هذه الثورة, فقبل بنائه، لم تكن الأراضي الزراعية في مصر تتجاوز خمسة ملايين فدان، تعتمد على الفيضان السنوي مرة واحدة فقط, أما اليوم، وبفضل السد، فقد زادت المساحة إلى تسعة ملايين فدان تزرع عدة مرات على مدار العام،

ثورة 30 يونيو.. استكمال لمسار يوليو

ويستكمل سالم قائلًا: “تواصلت الإنجازات بعد ثورة 30 يونيو 2013، التي تعتبر امتدادًا لمسيرة يوليو, حيث أضيفت حوالي 4.5 مليون فدان جديدة إلى الرقعة الزراعية، بزيادة تقارب 50%، ضمن مشروع استصلاح الأراضي الذي يمثل أحد أبرز مشاريع العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة”, وعلى صعيد العدالة الاجتماعية، دشنت قوانين يوليو الاشتراكية مرحلة جديدة من إعادة توزيع الثروة, فبعد أن كانت الأرض الزراعية حكرًا على كبار الملاك، أصبحت في متناول صغار الفلاحين، الذين لم يكن يملكون شيئًا, فتحول هؤلاء إلى ملاك حقيقيين، يمتلكون الأرض والمحاصيل والحيوانات، وينعمون بدخل ومكانة في مجتمع أكثر عدلًا،

أقرأ كمان:  «رفض مغرٍ» ميتا تفشل في استقطاب باحثي أنثروبيك بعروض مالية ضخمة

ويضيف سالم: “لم تقتصر ثورة يوليو على الأرض، بل امتدت إلى التعليم، الذي أصبح مجانيًا في جميع مراحله، مما أتاح لأبناء الطبقات البسيطة فرصة الوصول إلى أعلى مستويات التعليم”, ومن بين خريجي هذا التعليم المجاني، ظهرت أسماء لامعة مثل العالم أحمد زويل، وجراح القلب مجدي يعقوب، والعالم الجيولوجي فاروق الباز، وجميعهم من أبناء هذا الوطن الأصيل،

جيش وطني قوي

ويواصل سالم قائلًا: “على مستوى الأمن القومي، سعت الثورة إلى بناء جيش وطني قوي، يكسر احتكار بريطانيا لتسليحه”, لقد كانت هزيمة 1948 في حرب فلسطين درسًا قاسيًا، حيث خاضت القوات المصرية المعركة بأسلحة قديمة وغير فعالة, لذلك، كان من أهداف الثورة كسر احتكار السلاح، وهو ما تحقق بتوقيع أول صفقة سلاح شرقي مع الكتلة الشرقية عام 1955, هذه الخطوة الاستراتيجية أثارت غضب إسرائيل، ودفعت رئيس وزرائها آنذاك، ديفيد بن جوريون، لإصدار أوامر لوزير دفاعه موشيه ديان بالاستعداد لحرب تهدف إلى تدمير الجيش المصري قبل أن يستوعب السلاح الجديد،

ويختتم سالم قائلًا: “هكذا كانت ثورة يوليو، كما وصفها الكثيرون، ثورة ذات “أيادٍ بيضاء” امتدت لتلمس حياة كل مصري، في الأرض والتعليم والكرامة والسيادة الوطنية،

ثورة 23 يوليو 1952

تعتبر ثورة 23 يوليو 1952 علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث، حيث أحدثت تغييرًا جذريًا في هيكل الدولة والمجتمع، وأشعلت شرارة التغيير في العالم العربي،

قاد الثورة البكباشي جمال عبد الناصر ورفاقه من “الضباط الأحرار”، استجابة لغضب شعبي متزايد ضد فساد النظام الملكي، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، والتبعية للاستعمار البريطاني الذي جثم على مصر لعقود،