«نظرة إلى المستقبل».. الواقع الافتراضي يعيد تعريف تفاعلنا مع العالم: تحول جذري أم مجرد وهم؟

«نظرة إلى المستقبل».. الواقع الافتراضي يعيد تعريف تفاعلنا مع العالم: تحول جذري أم مجرد وهم؟

عندما بزغت تقنيات الواقع الافتراضي منذ عقد ونيف، بدت وكأنها قادمة من عوالم الخيال العلمي، حاملة وعودًا بعوالم غامرة، وتجارب استثنائية، وأساليب مبتكرة للتفاعل مع التكنولوجيا، لقد كانت بمثابة نافذة تطل على مستقبل رقمي واعد

لكن أحد أكبر التحديات التي اعترضت هذا الحلم الجميل، كان يتمثل في الانفصال التام بين المستخدم وبيئته المادية الحقيقية، فارتداء نظارة الواقع الافتراضي كان يعني مغادرة الواقع والانغماس في فضاء رقمي منعزل

وهنا، سطع نجم تقنية "عبور الواقع الافتراضي" (VR Passthrough) كجسر يربط بين العالمين الحقيقي والافتراضي، ويعيد صياغة علاقتنا بالتكنولوجيا



مصدر الصورة

ما هي تقنية “عبور الواقع الافتراضي”؟

ببساطة، تشير تقنية “عبور الواقع الافتراضي” إلى إمكانية رؤية العالم الحقيقي من خلال نظارة الواقع الافتراضي، وذلك عبر كاميرات خارجية مدمجة تنقل الصورة المحيطة إلى شاشة داخل النظارة

في جوهرها، تتيح هذه التقنية للمستخدم رؤية ما يحيط به أثناء استخدام الجهاز، مما يوفر مستوى من الأمان ويسمح بدمج العناصر الواقعية في التجربة الافتراضية

لكن التطور المتسارع في هذا المجال جعل التقنية تتخطى هذا الدور البسيط لتصبح عنصرًا أساسيًا في خلق تجارب هجينة فريدة

فهي تدمج العالمين المادي والافتراضي بسلاسة، فيما يُعرف اليوم بـ “الواقع المختلط” (Mixed Reality)، مما يتيح تجارب مثل التفاعل مع الأجسام الحقيقية أثناء اللعب أو العمل



مصدر الصورة

كيف تعمل هذه التقنية؟

تقوم تقنية “عبور الواقع الافتراضي” على مجموعة من المكونات التقنية المتقدمة، وأهمها الكاميرات الخارجية، ومستشعرات العمق، وخوارزميات المعالجة، وشاشات العرض داخل نظارة الواقع الافتراضي

تُثبت الكاميرات الخارجية على النظارة لالتقاط البيئة المحيطة في الوقت الفعلي، وغالبًا ما تكون هذه الكاميرات عالية الدقة وملونة لضمان وضوح الصورة

يقوم معالج الرؤية الحاسوبية بتحليل البيانات الواردة من الكاميرات وتصحيح التشوهات الناتجة عن العدسات أو الحركة، ثم يدمج البيانات في الزمن الحقيقي داخل شاشات النظارة

أقرأ كمان:  زيادة طاقم لجنة قصر الدوبارة لتسهيل تصويت الناخبين

تساعد مستشعرات العمق في تحديد مسافات الأشياء بدقة، مما يسمح للجهاز بفهم هندسة المكان

تدمج خوارزميات المعالجة الصور الواردة من الكاميرات مع المحتوى الافتراضي، مع ضبط المنظور والظلال لتبدو طبيعية

تعرض شاشات العرض داخل نظارة الواقع الافتراضي الصورة الملتقطة من العالم الحقيقي مع إضافة العناصر الرقمية فوقها، مثل النوافذ الافتراضية أو الأدوات التفاعلية، مما يخلق تأثير الرؤية من خلال النظارة



مصدر الصورة

كيف تغير هذه التقنية طريقة تواصلنا؟

لا تقتصر هذه التقنية على تغيير طريقة تفاعلنا مع الأجهزة الذكية فحسب، بل تعيد تشكيل مفهوم التواصل والعمل والترفيه، مما يقلل من الحواجز بين العالم الافتراضي والواقع الملموس

تُستخدم هذه التقنية للتنقل الآمن، والعمل والإنتاجية، والألعاب والتطبيقات، والتواصل الاجتماعي

يمكنك من خلالها رؤية العوائق في الغرفة دون الحاجة إلى خلع النظارة لتجنب الاصطدام، واستخدام لوحة مفاتيح فعلية أثناء العمل في بيئة افتراضية، ودمج العناصر الافتراضية مع العالم الحقيقي

بدلًا من الاكتفاء بمكالمات الفيديو التقليدية، يمكن للمستخدمين الآن الانخراط في محادثات افتراضية يشعرون فيها وكأنهم يجلسون في نفس الغرفة، حتى لو كانوا في قارات مختلفة

مع تطبيقات مثل “Horizon Workrooms” من “ميتا“، يمكن للمشاركين رؤية بعضهم البعض كأفاتار مع دمج عناصر من الواقع مثل لوحات المفاتيح أو الأوراق

تسمح هذه التقنية للأشخاص بمشاركة اللحظات مع الأصدقاء والعائلة، مثل مشاهدة فيلم معًا في غرفة معيشة افتراضية

بفضل دقة تتبع الوجه واليدين، يمكن نقل تعابير الوجه وإيماءات المستخدمين بدقة أكبر، مما يقلل من سوء الفهم في التواصل الرقمي



مصدر الصورة

أبرز الأجهزة التي تدعم هذه التقنية

شهدت السنوات الأخيرة إطلاق العديد من الأجهزة المتطورة التي تدعم هذه التقنية، ومن أبرزها:

* **”ميتا كويست برو” (Meta Quest Pro):** نظارة من ميتا تركز على الواقع المختلط، وتتميز بشاشات عالية الدقة وكاميرات ملونة متطورة، وتدعم تقنية تتبع الوجه والعينين لتحسين التفاعل الاجتماعي في الواقع الافتراضي
* **”آبل فيجين برو” (Apple Vision Pro):** نظارة واقع مختلط من “آبل” تتميز بدقة عرض فائقة وتكامل مع نظام “آي أو إس” (iOS)، وتدعم تقنية تتبع العين واليدين للتفاعل دون أجهزة تحكم
* **”فارغو إكس آر- فور” (Varjo XR-4):** نظارة موجهة للمحترفين، وتقدم جودة شبه بشرية في عرض الواقع المعزز، وهي مصممة للمهندسين والشركات
* **”بيكو فور برو” (PICO 4 Pro):** نظارة منافسة في السوق الصينية والعالمية، وتوفر ميزات “عبور الواقع الافتراضي” واقعية بتكلفة أقل، وتركز على سوق الألعاب واللياقة البدنية

أقرأ كمان:  «صفقة مغربية جديدة في الكالتشيو!» تورينو يضم زكريا أبو خلال لتعزيز خط هجومه

كيف تغير هذه التقنية طريقة العمل؟

تحدث هذه التقنية ثورة في مجالات عديدة في عالم الأعمال، حيث يمكن للمهندسين عرض النماذج ثلاثية الأبعاد في البيئة الحقيقية، مثل وضع نموذج معماري على طاولة الاجتماعات وتعديله في الوقت الفعلي

تستطيع الفرق العاملة عن بعد التفاعل مع نفس النموذج الرقمي كما لو كان ماديًا، مما يقلل الحاجة إلى السفر

يمكن للجراحين التدرب على عمليات معقدة في بيئة تحاكي الواقع مع الاحتفاظ برؤية الأدوات الحقيقية

تأثير هذه التقنية في الترفيه والتفاعل الاجتماعي

تفتح هذه التقنية آفاقًا جديدة في مجال الترفيه، حيث يمكن للاعبين مشاهدة أيديهم الحقيقية تتفاعل مع العناصر الافتراضية، مثل لعب الشطرنج مع شخص آخر على طاولة حقيقية

يمكن دمج الأفلام أو العروض مع البيئة المحيطة، مثل مشاهدة فيلم رعب حيث تظهر الكائنات الخيالية في غرفة المعيشة

يمكن للفنانين الرسم في الهواء باستخدام فرش افتراضية مع رؤية اللوحة في سياق العالم الحقيقي



مصدر الصورة

التحديات والمستقبل

على الرغم من الإمكانات الهائلة، تواجه تقنية “عبور الواقع الافتراضي” بعض التحديات، مثل التكلفة المرتفعة للأجهزة، واستهلاك البطارية، ومخاوف الخصوصية

مع تطور المعالجات والذكاء الاصطناعي، من المتوقع أن تصبح هذه التقنية أكثر انتشارًا، وربما نصل إلى مرحلة تصبح فيها النظارات الذكية بديلًا عن الهواتف، مما يعيد تعريف طريقة تفاعلنا مع التكنولوجيا

تتجه الشركات مثل “ميتا” و”آبل” إلى تحسين جودة الصورة وتقليل التأخير لجعل التقنية أكثر واقعية، مما يفتح الباب أمام تجارب “الواقع المختلط” الأكثر تقدمًا

في الختام، تمثل تقنية “عبور الواقع الافتراضي” خطوة كبيرة نحو مستقبل يتداخل فيه الواقعان الرقمي والمادي بشكل وثيق، مما يغير ليس فقط طريقة لعبنا أو عملنا، بل أيضًا كيف ننظر إلى العالم من حولنا

أقرأ كمان:  «ارتفاع مفاجئ» قفزة في سعر الذهب عيار 21 بالعراق اليوم 5/8/2025 كم بلغ مثقال الذهب والسبيكة الآن