
جنوب إفريقيا كانت لزمن طويل رائدة إنتاج الذهب عالميًا وفي القارة السمراء، بدأت رحلتها الذهبية في السبعينيات واستمرت حتى نهاية الألفية الثانية، حيث بلغت حصتها ثلثي إنتاج العالم بإنتاج سنوي يقارب ألف طن، هذا الإنجاز تحقق بفضل اكتشاف مناجم في حوض “ويتوراترسراند” الذي أطلق العنان لازدهار الذهب في البلاد، لكن مع مرور الوقت ظهر منافسون جدد وتراجع إنتاج جنوب إفريقيا، ففي عام 2024 لم يتجاوز إنتاجها المائة طن مقارنة بغانا التي تصدرت القارة بـ 130 طنًا، ورغم فقدانها الصدارة العالمية، لا تزال جنوب إفريقيا قوة مهمة في صناعة الذهب بفضل خبرتها العريقة وبنيتها التحتية المتطورة، مما جعلها تحافظ على مكانتها في السوق العالمية
### أسباب تراجع إنتاج الذهب
بدأ إنتاج الذهب في جنوب إفريقيا بالتراجع منذ عام 2001، نتيجة لتضافر عدة عوامل أدت إلى فقدانها الصدارة، ففي عام 2007 تراجعت إلى المركز الثاني عالميًا لصالح الصين، إيذانًا ببدء انحدار كبير أثر على الإنتاج حتى اليوم، واجهت البلاد منافسة قوية من دول أخرى تستخدم تقنيات ومعدات حديثة لاستخراج الذهب بسرعة وكفاءة أكبر، بالإضافة إلى ذلك أدى استنفاد المناجم السطحية إلى التحول إلى التعدين العميق الذي زاد من تكاليف الاستخراج بشكل ملحوظ، خاصة مع مشاكل البنية التحتية وأزمات الطاقة التي تعاني منها البلاد بسبب حاجة التعدين العميق لكميات هائلة من الطاقة والتهوية وضخ المياه، كما شهد قطاع التعدين إضرابات عمالية متكررة للمطالبة بتحسين الأجور، مما أدى إلى توقف الإنتاج لفترات طويلة وتراجع القدرة التنافسية للبلاد
### الاحتياطيات الرسمية من الذهب
تعد جنوب إفريقيا موطنًا لـ 62 مليون نسمة وتمتد على مساحة 1.22 مليون كيلومتر مربع، وتمتلك احتياطيات رسمية تقدر بنحو 125 طنًا من الذهب ضمن احتياطاتها النقدية، مما يضعها في المرتبة الرابعة أفريقيًا بعد الجزائر وليبيا ومصر، هذه الاحتياطيات تشكل دعمًا قويًا للاقتصاد الوطني والعملة المحلية، خاصة في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية، وتعكس سياسة البنك المركزي في تنويع الأصول الاحتياطية والاعتماد على المعدن الأصفر كملاذ آمن لتعزيز الاستقرار المالي

### الذهب وأهميته للاقتصاد
على الرغم من تراجع مكانة الذهب أمام قطاعات أخرى مثل البلاتين والفحم، إلا أنه لا يزال جزءًا حيويًا من اقتصاد جنوب إفريقيا، يسهم قطاع التعدين بنسبة تتراوح بين 7 و 8% من الناتج المحلي الإجمالي، كما يلعب دورًا مهمًا كمصدر رئيسي للعملات الأجنبية عبر الصادرات ويساهم في خلق فرص عمل كبيرة للمواطنين وتنشيط الحركة الاقتصادية، لقد ساهم الذهب في دفع عجلة التنمية لعقود في مختلف القطاعات
وعلى الرغم من أن تأثير الذهب في السياسات الوطنية قد انخفض، إلا أنه لا يزال يؤثر في قرارات الحكومة المتعلقة بضرائب الشركات وحماية البيئة وتوفير فرص العمل في مناطق التعدين، كما يحتفظ بأهمية استراتيجية في العلاقات الاقتصادية مع الدول المستوردة والمستثمرة في القطاع، مما يمنحه دورًا رئيسيًا غير مباشر في تشكيل العلاقات الدولية للبلاد
### أساليب استخراج الذهب
تتنوع طرق استخراج الذهب في جنوب إفريقيا حسب طبيعة الرواسب وعمقها، وأكثر الطرق شيوعًا هو التعدين العميق تحت الأرض، حيث توجد مناجم تعد من الأعمق في العالم وتصل في بعض الحالات إلى أكثر من أربعة كيلومترات تحت سطح الأرض، يستخدم العمال معدات ثقيلة لحفر الأنفاق واستخراج الصخور الغنية بالذهب ونقلها إلى السطح لمعالجتها
يستخدم التعدين السطحي عندما يكون الذهب قريبًا من سطح الأرض، حيث تزيل الجرافات والشاحنات الضخمة الطبقات العلوية من التربة والصخور للوصول إلى الذهب الخام، بينما يستخدم التعدين بالغسل أو الغربلة لفصل الذهب عن الرمال باستخدام الماء وأحواض الغسل أو أجهزة الطرد المركزي، ويستخدم هذا الأسلوب في حالة الرواسب النهرية أثناء عملية التنقية
بعد استخراج الذهب الخام تبدأ مرحلة المعالجة السيانيدية، وهي عملية كيميائية تعتمد على إذابة الذهب باستخدام محلول السيانيد ثم استخلاصه من المحلول عبر طرق كهربائية أو كيميائية أخرى، وأخيرًا ينقل الذهب المستخلص إلى أفران خاصة للتكرير والصهر، حيث ينقى من الشوائب للحصول على ذهب عالي النقاء جاهز للتصدير إلى الأسواق العالمية

### نظرة على خريطة الذهب
تضم جنوب إفريقيا العديد من المناجم الغنية بالذهب، ويعد حوض “ويتواترسراند” واحدًا من أغنى المناطق بالذهب في العالم، حيث يضم النسبة الأكبر من احتياطيات الذهب في البلاد
يضم الحوض عددًا كبيرًا من المناجم، أبرزها:
* منجم “ساوث ديب” الذي يحتوي على قرابة 32,8 مليون أوقية من الذهب،
* منجم “مبونينج” الذي يُعرف بأنه أعمق منجم في العالم بعمق أربعة كيلومترات ويحتوي على ما يزيد عن 45 مليون أوقية،
* مناجم أخرى مثل “كلوف”، و”دريفونتين”، و”تشيبونج” التي تساهم بشكل رئيسي في إنتاج الذهب في البلاد
بالإضافة إلى ذلك تعتبر منطقة “باربيرتون” واحدة من أقدم وأشهر مواقع الذهب، حيث شهدت المنطقة اكتشافات الذهب في أواخر القرن التاسع عشر، ولا تزال تنتج ذهبًا عالي الجودة بفضل رواسبها الغنية، وتتميز بمناجم صغيرة ومتوسطة الحجم تواصل العمل بكفاءة لإنتاج الذهب، مما يحافظ على مكانتها كمركز تاريخي وإنتاجي في خريطة الذهب بجنوب إفريقيا
### الشركات العاملة في قطاع الذهب
تعمل في قطاع التعدين بجنوب إفريقيا مجموعة كبيرة من الشركات المحلية والأجنبية، وتشمل الشركات المحلية:
* أنجلو جولد أشانتي،
* جولد فيلدز،
* هارموني جولد،
* سيباني ستيلووتر،
وهي شركات تمتد عملياتها إلى دول أخرى في القارة وخارجها، أما الشركات الأجنبية فتشمل:
* نيومونت،
* باريك جولد،
* شاندونج جولد،
وتتركز أنشطتها في دول مثل غانا ومالي وتنزانيا، إلا أن تأثيرها يمتد عبر سلاسل التوريد التي تشمل جنوب إفريقيا

### التحديات: الفساد والتهريب والصراعات المسلحة
تواجه جنوب إفريقيا ظاهرة التعدين غير المشروع المعروفة محليًا باسم “الزمازاما”، وهي عبارة عن استخراج الذهب من المناجم المهجورة بشكل غير قانوني من قبل مجموعة من المنقبين الذين يعملون في ظروف خطيرة داخل الأنفاق غير المؤمنة لاستخراج الذهب وبيعه إلى دول الجوار، وهذا يمثل خسارة للبلاد تقدر بمليارات الدولارات سنويًا، مما جعلها مشكلة اقتصادية وأمنية معقدة
بالإضافة إلى ذلك دخلت المجموعات المسلحة على خط التعدين غير المشروع إلى جانب المنقبين مستغلة ضعف الرقابة على آلاف المناجم المهجورة في البلاد، وتسيطر هذه المجموعات بالقوة على مناطق التعدين لاستخراج الذهب وتهريبه إلى الأسواق الخارجية ودول الجوار
### وجهات تصدير الذهب
تتجه صادرات الذهب الجنوب أفريقي إلى عدد من الدول العربية والأجنبية، وتستقبل الأسواق الآسيوية كميات كبيرة من الذهب، وفي مقدمة المستوردين دول مثل الهند والصين، حيث يستخدم الذهب في صناعة المجوهرات والحلي التي تعد جزءًا مهمًا من الثقافة والتقاليد
وفي أوروبا تأتي سويسرا في مقدمة المستوردين للذهب الجنوب أفريقي، لكونها واحدة من أهم الدول في تكرير الذهب وإعادة صياغته بأعلى مستويات النقاء قبل إعادة تصديره إلى الأسواق العالمية، وتستقبل دول أخرى مثل أمريكا وبريطانيا وألمانيا أيضًا الذهب الجنوب أفريقي