
أبدى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب انفتاحه على فكرة السماح لشركة “إنفيديا” بتصدير نسخة معدلة من أحدث رقائق الذكاء الاصطناعي الخاصة بها إلى الصين، في خطوة قد تعيد تشكيل سوق أشباه الموصلات العالمية، وتثير تساؤلات حول مستقبل المنافسة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، وتضع معايير جديدة في عالم التكنولوجيا المتقدمة، الأمر الذي يترتب عليه تغييرات جوهرية في هذا القطاع الحيوي
مفاوضات محتملة وصفقة مشروطة
خلال مؤتمر صحفي، أشار ترامب إلى إمكانية إبرام اتفاق مع “إنفيديا” بشرط أن تقوم الشركة بتقليل قدرات نظام “بلاك ويل”، ما يعني تقديم تنازلات فنية للامتثال للقيود الأمريكية، وهذا يعكس رغبة الإدارة الأمريكية في تحقيق توازن بين دعم الشركات الأمريكية والحفاظ على التفوق التكنولوجي، وتأمين مصالح الأمن القومي، ويؤشر إلى أن هناك مساحة للمرونة في التعامل مع قضايا التصدير الحساسة
وصرّح ترامب بأنه “من الممكن أن يتم التوصل إلى اتفاق بشأن معالج بلاكويل مُحسّن نوعًا ما – بطريقة سلبية”، موضحًا أن ذلك قد يعني “خصم 30% إلى 50% منه”، وذلك وفقًا لتقرير نشرته شبكة “سي إن بي سي”، مما يعكس جدية المفاوضات ورغبة الطرفين في التوصل إلى حل وسط، ويعكس أيضًا التحديات التقنية والتجارية التي تواجهها الشركات الأمريكية في السوق الصينية
كما كشف ترامب عن نيته لقاء جنسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة “إنفيديا”، لبحث مسألة “بلاك ويل” بشكل مفصل، مما يؤكد أهمية هذا الموضوع على أعلى المستويات، ويعكس التوجه نحو إيجاد حلول عملية ومستدامة، ويوضح مدى تأثير القرارات السياسية على قطاع التكنولوجيا
وأضاف ترامب: “بالنسبة لبلاكويل، أعتقد أن هوانغ سيأتي لرؤيتي مرة أخرى”، مشيرًا إلى أن نظام بلاكويل يمثل “الأحدث والأعظم في العالم”، وهذا يعكس الاعتراف بأهمية “إنفيديا” ودورها الرائد في تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ويؤكد أن الشركة تحظى بتقدير كبير من قبل المسؤولين الأمريكيين، على الرغم من التحديات الجيوسياسية
ضغط “إنفيديا” ورغبة في الوصول إلى السوق الصينية
في الشهر الماضي، أعرب هوانغ، الذي مارس ضغوطًا على ترامب لدخول السوق الصينية بعد استبعاده فعليًا، عن أمله في بيع شرائح أكثر تطورًا للصين، مما يكشف عن استراتيجية “إنفيديا” الطموحة، ورغبتها في الاستفادة من الفرص المتاحة في السوق الصينية، ويؤكد أن الشركة مستعدة لتقديم تنازلات من أجل تحقيق أهدافها التجارية، مع الالتزام بالقوانين واللوائح الأمريكية
ويأتي هذا التطور في ملف أشباه الموصلات بعد موافقة “إنفيديا” و”AMD” على اتفاق تدفعان بموجبه للحكومة الأمريكية خصمًا بنسبة 15% من عائدات مبيعات الرقائق إلى الصين مقابل تراخيص التصدير، وهذا يعكس التزام الشركتين بالتعاون مع الحكومة الأمريكية، والمساهمة في دعم الاقتصاد الوطني، مع الحفاظ على قدرتهما التنافسية في السوق العالمية، ويشير إلى أن هناك آليات للتوفيق بين المصالح التجارية والأهداف الحكومية
وذكر ترامب أنه طلب في البداية خصمًا بنسبة 20%، لكن النسبة انخفضت إلى 15% بعد مفاوضات مع هوانغ، ما يوضح تفاصيل المفاوضات المعقدة التي تجري بين الحكومة الأمريكية وشركات التكنولوجيا، ويعكس التحديات التي تواجهها الشركات في التعامل مع القضايا التجارية الحساسة، ويؤكد أن التوصل إلى اتفاق مرضٍ للطرفين يتطلب مرونة وتفهمًا
تحليل الخبراء وآفاق مستقبلية
يرى بول تريولو، الشريك ونائب الرئيس الأول لشؤون الصين في شركة DGA-Albright Stonebridge Group الاستشارية، أن الموافقة على تصدير رقائق بلاكويل منخفضة الجودة “سيكون إنجازًا كبيرًا في المستقبل”، ما يعكس الأهمية الاستراتيجية لهذه الخطوة، وتأثيرها المحتمل على سوق أشباه الموصلات، ويؤكد أن هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام مزيد من التعاون التجاري بين الولايات المتحدة والصين وأضاف تريولو أن “الهدف هنا هو إدمان الصين على تقنيات دون المستوى، أو غير متطورة”، وهذا يكشف عن جانب آخر من الاستراتيجية الأمريكية، وهو الحفاظ على التفوق التكنولوجي، ومنع الصين من الوصول إلى أحدث التقنيات، ويشير إلى أن هناك توازنًا دقيقًا بين تشجيع التجارة وتقييد الوصول إلى التقنيات الحساسة
لطالما دعا هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة “إنفيديا”، إلى ضرورة بيع الرقائق الأمريكية في الصين، محذرًا من أنه في حال انقطاعها، فإن شركات التكنولوجيا المحلية مثل “هواوي” ستملأ الفراغ، وهذا يعكس رؤية “إنفيديا” لأهمية السوق الصينية، وضرورة الحفاظ على وجود قوي فيها، ويؤكد أن الشركة ترى أن المنافسة الصحية هي الأفضل للابتكار والتطور
وجادل هوانغ بأن بيع الرقائق الأمريكية في الصين سيشجع الشركات الصينية على الاعتماد عليها في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، ما يضمن استمرار هيمنة التكنولوجيا الأمريكية، ويحد من قدرة الصين على تطوير بدائل محلية، ويشير إلى أن هناك بعدًا استراتيجيًا في هذه القضية، يتعلق بالحفاظ على النفوذ التكنولوجي الأمريكي
تطورات نظام تصدير الرقائق والقيود المفروضة
شهد نظام تصدير الرقائق في واشنطن تطورًا ملحوظًا على مدار السنوات القليلة الماضية، حيث تم فرض قيود متزايدة على تصدير التقنيات المتقدمة إلى الصين، وذلك في إطار الجهود الأمريكية للحفاظ على التفوق التكنولوجي، وتقييد قدرة الصين على تطوير قدرات عسكرية متقدمة، ويعكس هذا التوجه تصاعد التوتر التجاري والتكنولوجي بين البلدين
ففي عام 2022، مُنعت “إنفيديا” من تصدير رقاقات A100 وH100 إلى الصين، وهي رقاقات أساسية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة، مما أثر بشكل كبير على قدرة الشركات الصينية على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة، وأدى إلى نقص في المعروض من الرقائق المتطورة، ويشير إلى أن القيود الأمريكية لها تأثير ملموس على السوق الصينية
وفي عام 2023، فرضت أمريكا قيودًا إضافية على تصدير المزيد من أشباه موصلات “إنفيديا”، مما زاد من الضغوط على الشركات الصينية، وعقد من قدرتها على الحصول على التقنيات اللازمة لتطوير الذكاء الاصطناعي، ويعكس هذا التوجه تصميم الإدارة الأمريكية على مواصلة الضغط على الصين، وتقييد قدرتها على المنافسة في مجال التكنولوجيا
ورغم هذه القيود، قامت الشركات الصينية بتخزين هذه الرقاقات واستخدامها لبناء نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، مما يدل على قدرة الشركات الصينية على التكيف مع الظروف الصعبة، وإيجاد حلول بديلة، ويشير إلى أن القيود الأمريكية قد لا تكون فعالة بالكامل في منع الصين من الوصول إلى التقنيات المتقدمة
ووفقًا لتريولو، تم الحصول على هذه الرقاقات بشكل قانوني، ولا تزال تُستخدم لتدريب النماذج، ما يؤكد أن الشركات الصينية تمكنت من الالتفاف على القيود الأمريكية، والحصول على الرقائق اللازمة من خلال قنوات مشروعة، ويشير إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من التدقيق والإحكام في نظام الرقابة على الصادرات
تحديات مستقبلية ومساعي هواوي
لا يزال من غير الواضح ما هي القدرات التي سيتمتع بها نظام بلاكويل المُخفَّض المستوى المُخصص للصين، وما إذا كان مناسبًا لتدريب نماذج أكثر تقدمًا، مما يثير تساؤلات حول فعالية هذه الخطوة، وما إذا كانت ستساهم حقًا في تحقيق الأهداف الأمريكية، ويشير إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من التقييم والدراسة لتحديد الآثار المحتملة لهذه الخطوة
في غضون ذلك، تُواصل “هواوي” تطوير سلسلة معالجاتها Ascend، التي تسعى لطرحها كبديل لـ “إنفيديا”، ما يعكس طموح الشركات الصينية في تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال أشباه الموصلات، وتحدي هيمنة الشركات الأمريكية، ويشير إلى أن المنافسة في هذا المجال ستزداد حدة في المستقبل
ويرى تريولو أننا “نمرّ بمرحلة انتقالية، حيث نفد مخزون وحدات معالجة الرسومات من إنفيديا التي حصلنا عليها سابقًا، ونأمل أن تكون سلسلة معالجات Ascend الجديدة من هواوي قادرة على استبدالها، لكنها ليست قادرة تمامًا على ذلك بعد”، ما يعكس التحديات التي تواجهها الشركات الصينية في تطوير بدائل محلية، ويشير إلى أن هناك فجوة تكنولوجية لا تزال قائمة بين الشركات الصينية والأمريكية
وختم تريولو بالقول: “من المُحتمل أن تُطلق هواوي العام المُقبل إصدارًا جديدًا من معالجاتها 910، والذي سيكون أكثر تنافسية مع إنفيديا”، ما يؤكد أن الشركات الصينية تواصل العمل بجد لتقليل الفجوة التكنولوجية، والتنافس مع الشركات الأمريكية، ويشير إلى أن المنافسة في سوق أشباه الموصلات ستزداد شراسة في المستقبل القريب