
“ابنتي تستخدم لغة مليئة بالاختصارات والرموز، وهي في الغالب غير رسمية، تتحدث بسرعة وتُدخل كلمات ومصطلحات عصرية جديدة، وأحياناً يصعب فهمها”، هكذا وصفت ديما أسلوب تواصل ابنتها زُمُرّد ذات السبعة أعوام، إنها طريقة تعبير فريدة من نوعها.
زُمُرّد، ومعها كل الأطفال الذين ولدوا بين عامي 2010 و2024، يشكلون ما يُعرف بجيل ألفا، وقد أصبح من الشائع بينهم استخدام لغة خاصة بهم، تتألف من رموز وأحرف إنجليزية، تحمل أحياناً معاني خفية وغير مباشرة، وغالباً ما تكون غير مفهومة لأولئك الذين هم خارج هذه الفئة العمرية، إنه جيل يتميز بأسلوبه الخاص.
وتضيف ديما، خلال مقابلة جمعتها بابنتها مع بي بي سي، أنها تشعر أحياناً بوجود فجوة بينها وبين ابنتها، خاصة عندما تعجز عن فهم بعض ما تقوله، لكنها في الوقت نفسه ترى أن هذه الاختصارات “تفتح باباً للحوار مع زُمُرّد، وتجعلها تشعر بأنها جزءٌ من عالمها”، وهذا يساهم في تقريب وجهات النظر بينهما.
وتوضح أنها تسعى لمواكبة هذه اللغة بهدف فهمها، وليس بالضرورة استخدامها، وتشير إلى أنها تتجنب استعمالها لأنها لا تراها مناسبة لها شخصياً، وهذا يعكس احترامها لأسلوب ابنتها مع الحفاظ على هويتها اللغوية.
وتصف ديما ردة فعل زُمُرّد عندما تطلب منها شرح مصطلح لم تفهمه، قائلة: “تكون ردّة فعلها لطيفة، وتأخذ وقتها لشرح المعنى لي بطريقة بسيطة، وتسألني إن كنت بحاجة إلى مزيد من التوضيح”، وهذا يدل على استعداد زُمُرّد للتواصل بفعالية مع والدتها.
أما زُمُرّد، فتضحك عندما ترى علامات الحيرة على وجوه البالغين عند سماعهم لهذه الاختصارات، وعندما يسألونها: “لماذا تكتبون الحروف بهذه الطريقة؟”، تجيبهم ببساطة: “هذه هي لغتنا وطريقتنا في التواصل”، إنها تعبر عن هويتها من خلال لغتها الخاصة.
وتعبر عن ارتياحها لاستخدام الكلمات المختصرة، التي تجعل حديثها “أسرع وأكثر حيوية”، على حد وصفها، وبينما تستخدم زُمُرّد هذه اللغة مع أقرانها، إلا أنها تتحدث بلغة أوضح مع والديها، وذلك لرغبتها في أن يفهما كلامها بوضوح، إنها توازن بين التعبير عن الذات والتواصل الفعال.
وتقول إنها تسعد عندما يحاول والديها تعلم هذه الاختصارات، وتضيف أن شرحها لهما يجعل العلاقة بينهما أكثر قرباً، وهذا يعزز من التفاهم المتبادل والاحترام بين الأجيال.
جيل ألفا: عالم مترابط
جيل ألفا، كما تقدمه لنا كارما الطاهر، الاختصاصية النفسية في المجمع المركزي للصحة النفسية، هو أول جيل يولد بالكامل في القرن الحادي والعشرين، وقد نشأ في كنف التكنولوجيا وجائحة كورونا، وتشير إلى أنه جيل مترابط عالمياً، متنوع وشامل، إنه جيل يتميز بوعيه العالمي وانفتاحه على التنوع.
وتصف الطاهر ملامح لغة جيل ألفا، في حديثها لبي بي سي، بأنها “لغة عامية سريعة وعملية للغاية، تميزهم عن الأجيال السابقة، وتعكس هوية الأطفال وتمنح الفرد منهم شعوراً بالانتماء إلى أقرانه عالمياً”، إنها لغة تعبر عن هوية جيل فريد.
وترى أن هذه اللغة تأثرت بشكل كبير بوسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة منصة “تيك توك”، حيث يتعلمها جيل ألفا ويستخدمها نتيجة انغماسه شبه الكامل في هذا العالم الرقمي، أو كما يصفه أبناء هذا الجيل بـ”الوجود الدائم على الإنترنت بشكل مبالغ فيه”، إنه جيل رقمي بامتياز.
وتضيف: “لقد أصبحت هذه اللغة رمزاً تواصلياً عالمياً يجمع أبناء هذا الجيل من مختلف الثقافات والأديان والأعراق، متجاوزة الحدود الجغرافية”، إنها لغة توحد جيلاً يتخطى الحواجز الجغرافية والثقافية.
“عالم خاص”: منظور جيل ألفا
وبخلاف علاقة زُمُرّد بوالدتها، تكشف لنا الجدة بسمة عن علاقة ابنتها بحفيدتها، والتي تصفها بأنها “تفتقر إلى نقاط الالتقاء في الحوار إلى حدٍ ما”، وهذا يسلط الضوء على التحديات التي تواجه بعض الأسر في التواصل بين الأجيال.
وتقول بسمة لبي بي سي، إن حفيدتها البالغة من العمر ثلاثة عشر عاماً تستخدم هاتفها الذكي بشكل مفرط، وتستخدم مفردات لم تكن لتتصور أنها تحمل معنى، وهذا يعكس التغيرات السريعة في اللغة والتكنولوجيا وتأثيرها على التواصل.
وتوضح أن حفيدتها ماسة تتجنب تعليم والدتها هذه العبارات وما تحمله من دلالات، كما لو أنها لا ترغب في إدخالها إلى عالمها الخاص، مما يزيد من الفجوة بين الأم وابنتها، وهذا يثير تساؤلات حول الخصوصية والتواصل في العصر الرقمي.
وفي هذا السياق، توضح الطاهر أن ضعف التواصل بين الآباء وأبنائهم يؤدي إلى فجوة في الفهم، مما يؤثر بشكل كبير على العلاقة العاطفية والنفسية بينهم، فالأبناء يشعرون بأنهم لا يُفهَمون، بينما يحس الآباء بأن أبناءهم لا يستمعون إليهم، مما يسبب توتراً في العلاقة، وهذا يؤكد على أهمية الحوار والتفاهم في بناء علاقات أسرية صحية.
وتشير إلى أن جيل ألفا تأثر بثقافة التفاعلات السريعة على مواقع التواصل، مما قلل من اعتمادهم على المحادثات المكتوبة، وأضعف بالتالي إدراكهم لأهمية الكلمة وسياق استخدامها، مما قد يؤدي أحياناً إلى سوء فهم مع البالغين، وهذا يلقي الضوء على تأثير التكنولوجيا على مهارات التواصل والتعبير.
وتقترح على الآباء تعلم أساسيات هذه اللغة الجديدة أو على الأقل فهمها بشكل عام، حتى يعلم أطفالهم أن هناك مساحة للفهم والتواصل، مؤكدة أن التواصل مع الأبناء يتم من خلال فهمهم، والطريقة الوحيدة لفهمهم هي التواصل معهم، إنها دعوة لمد جسور التواصل بين الأجيال.
وتدعو الآباء إلى تعلم أساسيات هذه اللغة أو الإلمام بها على الأقل، حتى يشعر الأطفال بأن هناك من يسعى لفهمهم والتقرب منهم، مؤكدة أن التواصل مع الأبناء يبدأ بفهمهم، وأن السبيل إلى هذا الفهم هو الحوار المستمر والتفاعل معهم بلغتهم، وهذا يؤكد على أهمية الاستماع والتفهم في بناء علاقات قوية مع الأبناء.
تأثير كورونا على جيل ألفا
في الختام، تربط الطاهر بين لغة جيل ألفا وجائحة كوفيد-19، مشيرة إلى أن نشأتهم خلال سنوات الجائحة الأولى قد تكون لها تأثيرات اجتماعية ونمائية طويلة المدى على هذا الجيل، وهذا يسلط الضوء على أهمية دراسة تأثير الجائحة على تطور الأطفال ونموهم.
وتوضح الطاهر، من واقع خبرتها كمعالجة نفسية، أنها لاحظت ازدياد الطلب على العلاج الأسري مقارنة بالعلاج الفردي عقب الجائحة، مبينة أن هذا التحول يعكس تأثير التغيرات التي طرأت على أنماط اللغة والتواصل داخل الأسرة، وهذا يشير إلى أن الجائحة قد أثرت على ديناميكيات التواصل داخل الأسر.
إضافة إلى الجائحة، تؤكد أن التطور الرقمي السريع واختلاف نشأة الأجيال أثرتا على تطور اللغة، حيث تمتلك الأجيال مرجعيات ثقافية وتجارب اجتماعية مختلفة تماماً عن جيل ألفا، وهذا يؤكد على أهمية فهم السياقات الاجتماعية والثقافية التي تشكل لغة الأجيال المختلفة.