«تحول استراتيجي» بكين تلزم مراكز البيانات بالاعتماد على شرائح الذكاء الاصطناعي الصينية

«تحول استراتيجي» بكين تلزم مراكز البيانات بالاعتماد على شرائح الذكاء الاصطناعي الصينية

في خطوة جريئة نحو الاستقلال التكنولوجي، فرضت الحكومة الصينية قانونًا جديدًا يلزم مراكز البيانات باستخدام ما يزيد عن 50% من رقائق الذكاء الاصطناعي المصنعة محليًا، وذلك في محاولة واضحة لتقليل الاعتماد على الشركات الأجنبية، وعلى رأسها شركة إنفيديا الأمريكية، وهو ما يعكس تصميم بكين على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال التكنولوجيا المتقدمة.

يأتي هذا القرار ليؤكد المسار المتسارع الذي تتخذه الصين نحو فك الارتباط بالتكنولوجيا الأمريكية، وتطوير قدراتها الذاتية في هذا المجال الحيوي.

مبادرة وطنية شاملة

بعد نجاح التجربة الأولية في شنغهاي عام 2023، حيث وُضعت مبادئ توجيهية تهدف إلى تجاوز نسبة الاعتماد على الرقائق المحلية 50% بحلول عام 2025، أصبح هذا التوجه الآن إلزاميًا في جميع مراكز الحوسبة العامة على مستوى البلاد، وذلك وفقًا لتقرير نشره موقع “scmp” واطلعت عليه “العربية Business”، وتأتي هذه الخطوة مدعومة من قبل وكالات حكومية بارزة مثل اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، ووزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات، ما يؤكد الأهمية الاستراتيجية التي توليها الصين لهذا الأمر، وتهدف الخطة إلى تعزيز صناعة أشباه الموصلات المحلية، وتوسيع موارد الحوسبة الضرورية لتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي المختلفة.

مراكز بيانات ضخمة ومئات المشاريع

تزامن هذا القرار مع طفرة في بناء ما يُعرف بـ “مراكز الحوسبة الذكية”، حيث تم الإعلان عن أكثر من 500 مشروع جديد في عامي 2023 و2024، في مناطق مختلفة مثل منغوليا الداخلية وقوانغدونغ، وهو ما يعكس حجم الاستثمارات الضخمة التي تضخها الصين في هذا القطاع، بالإضافة إلى رغبتها في احتلال مكانة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي.

يأتي هذا التوسع في وقت تفرض فيه الولايات المتحدة قيودًا على تصدير شرائح متطورة مثل H100 وH800 من “إنفيديا” إلى الصين، باعتبارها ضرورية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، وحتى الرقاقة H20، التي سمحت واشنطن ببيعها مؤخرًا، أثارت تساؤلات السلطات الصينية بشأن المخاطر الأمنية المحتملة.

أقرأ كمان:  «لغته الخاصة تقترب» الأب الروحي للذكاء الاصطناعي يحذر من تفوق وشيك للآلات على البشر وتطوير أنظمة تواصل مستقلة

فجوة تقنية رغم التقدم

على الرغم من أن الرقائق الصينية لا تزال أقل من نظيراتها من “إنفيديا” في مجال تدريب النماذج، إلا أن المطورين يؤكدون أنها “قابلة للاستخدام” في استدلال النماذج المُدرّبة مسبقًا، وهو ما يشير إلى التقدم الذي أحرزته الصين في هذا المجال، وإمكانية الاعتماد على الرقائق المحلية في بعض التطبيقات.

تُعد شركة iFlytek، الخاضعة للعقوبات الأمريكية، الشركة الصينية الوحيدة التي أعلنت علنًا اعتمادها على شرائح “هواوي” لتدريب نماذجها، وهو ما يعكس التحديات التي تواجه الشركات الصينية في تبني الرقائق المحلية، والخوف من العقوبات الأمريكية المحتملة.

في المقابل، طورت شركات مثل “SiliconFlow” حلولًا مبتكرة لدمج شرائح Ascend من “هواوي” في بنية مراكز البيانات، بل وحققت كفاءة تشغيل تفوقت على شرائح “إنفيديا H800” في بعض التجارب، وهو ما يوضح الإمكانات الكبيرة التي تمتلكها الشركات الصينية في مجال الابتكار والتطوير.

تحديات أمام التحول المحلي

لا يزال الطريق طويلاً ومليئًا بالتحديات، إذ تواجه مراكز البيانات الصينية صعوبات في التكيف مع مزيج الشرائح الأجنبية والمحلية، بسبب اختلاف الأنظمة البيئية البرمجية مثل CUDA من “إنفيديا” وCANN من “هواوي”، وهو ما يتطلب جهودًا تقنية كبيرة لإعادة تهيئة النماذج وتشغيلها بكفاءة، وتعتبر هذه الاختلافات التقنية من أبرز العقبات التي تواجه الصين في سعيها للاعتماد على الرقائق المحلية بشكل كامل.

على الرغم من هذه التحديات، يبدو أن الصين عازمة على بناء اكتفاء ذاتي في مجال الرقائق، حتى لو تطلب الأمر سنوات من الاستثمار والابتكار لمجاراة عمالقة أشباه الموصلات العالميين، وهو ما يؤكد عزمها على تحقيق الريادة في مجال التكنولوجيا المتقدمة، وتقليل اعتمادها على الخارج.