شركة فوكسكون التايوانية، التي ذاع صيتها كعملاق عالمي في تصنيع التكنولوجيا بفضل تجميعها لملايين أجهزة آيفون، تعلن أن أبل لم تعد محور اهتمامها الرئيسي، مستغلةً طفرة الذكاء الاصطناعي في تنويع مصادر دخلها، وهو تحول استراتيجي يعكس رؤية مستقبلية واعدة، ويعزز مكانتها في سوق التكنولوجيا المتطور، ويقلل الاعتماد على منتج واحد فقط
إيرادات فوكسكون من تصنيع خوادم الذكاء الاصطناعي ومنتجات الحوسبة السحابية والشبكات الأخرى، بما في ذلك عميلها الأبرز “إنفيديا”، تفوقت لأول مرة في الربع الثاني على إيرادات المنتجات الاستهلاكية الذكية مثل أجهزة آيفون، وهذا يمثل تتويجًا لتحول بدأ منذ سنوات، ويمتد ليشمل صناعة التكنولوجيا في تايوان بأكملها، مما يؤكد على قدرة الشركات التايوانية على التكيف مع التغيرات التكنولوجية، واستغلال الفرص الجديدة المتاحة في السوق العالمية
تقليل الاعتماد على آيفون
المحللون يرون أن اعتماد فوكسكون المفرط على أعمال الهواتف الذكية كان دائمًا موضع قلق للمستثمرين، إذ يعتبرونه مخاطرة كبيرة، فالطلب على هواتف آيفون الجديدة يشهد تراجعًا تدريجيًا منذ ظهورها الأول قبل حوالي عقدين، مما جعل أكبر شركة لتجميع هواتف آيفون تواجه صعوبات في مواكبة تباطؤ المبيعات، وتجد نفسها مضطرة للبحث عن مصادر دخل بديلة، بحسب تقرير نشرته وكالة “رويترز” واطلعت عليه “العربية Business”
قيادة استراتيجية للتنويع
يونغ ليو، رئيس مجلس إدارة فوكسكون، منذ توليه منصبه عام 2019، يعمل جاهدًا على دعم مشروعات جديدة مثل خوادم الذكاء الاصطناعي والمركبات الكهربائية وأشباه الموصلات، وهذا يعكس رؤيته الطموحة لتنويع أعمال الشركة، وتقليل الاعتماد على قطاع واحد، كما يوضح التزامه بالاستثمار في التقنيات المستقبلية التي ستشكل ملامح الصناعة في السنوات القادمة
الذكاء الاصطناعي يقود النمو
على الرغم من أن توسع فوكسكون في مجال المركبات الكهربائية والرقائق لم يحقق بعد مساهمة كبيرة في الإيرادات، إلا أن نجاحها في تصنيع خوادم الذكاء الاصطناعي، حيث تعتبر أكبر مصنع للخوادم لدى “إنفيديا”، يمثل ثمرة رهاناتها المبكرة قبل أن يسطع نجم هذه التقنية مع ظهور شات جي بي تي في أواخر عام 2022، وهذا يؤكد على أهمية الاستثمار في البحث والتطوير، واغتنام الفرص الناشئة في مجال التكنولوجيا
الإلكترونيات الاستهلاكية شكلت 35% من إجمالي إيرادات فوكسكون في الربع الثاني، بينما استحوذت أعمال الحوسبة السحابية والشبكات على 41%، وفي عام 2021، كانت الإلكترونيات الاستهلاكية تمثل 54% من إيراداتها، مما يوضح التحول الكبير الذي تشهده الشركة نحو قطاعات جديدة، ويؤكد على نجاحها في تنويع مصادر دخلها
المحللون يؤكدون أن رهانات الشركة المدروسة قبل سنوات ساعدتها على بناء علاقة قوية مع شركة رقاقات الذكاء الاصطناعي الأميركية وغيرها من الشركات الرائدة في هذا المجال، وهذا يوضح أهمية بناء علاقات استراتيجية مع الشركاء المناسبين، والاستفادة من خبراتهم ومواردهم في تحقيق النمو والابتكار
مينغ تشي كو، المحلل في شركة تي إف إنترناشونال للأوراق المالية، يقول: “تعمل الشركة في هذا المجال منذ سنوات، حيث تلبي متطلبات الجودة العالية، وتُنوّع عمليات التجميع والعمليات عبر المواقع، وتسعى إلى التكامل الرأسي”
فوكسكون بدأت إنتاج تصاميم مرجعية لبطاقات الرسومات من “إنفيديا” عام 2002، وبدأت في تصنيع خوادم للأغراض العامة لمراكز بيانات مزودي الخدمات السحابية منذ عام 2009 تقريبًا، مما يوضح تاريخها الطويل في مجال تصنيع الخوادم، وخبرتها الواسعة في تلبية احتياجات العملاء المختلفة
المحللون يرون أن أعمال فوكسكون في مجال خوادم الذكاء الاصطناعي مع “إنفيديا” تمثل تتويجًا لهذا التاريخ الطويل من التعاون والابتكار، وهذا يؤكد على أهمية بناء شراكات طويلة الأمد، والاستفادة من الخبرات المتراكمة في تحقيق النجاح والتميز
فوكسكون تؤكد أنها الآن واحدة من أكبر موردي خوادم الأغراض العامة وخوادم الذكاء الاصطناعي في العالم، بحصة سوقية تقارب 40% في كل منهما، مما يعكس مكانتها الرائدة في السوق، وقدرتها على تلبية الطلب المتزايد على هذه المنتجات
كو يضيف أن الشركة أبدت استعدادًا للاستثمار في مشروعات في مراحل مبكرة أكثر من الشركات الأخرى، مستشهدًا باستثماراتها السابقة في “أبل” وخطوات مماثلة تجاه “إنفيديا”، وهذا يوضح استعدادها لتحمل المخاطر، والاستثمار في التقنيات المستقبلية التي قد تحقق نموًا كبيرًا في المستقبل
ويقول: “في الشراكات طويلة الأجل، تكون فوكسكون أكثر استعدادًا لأخذ زمام المبادرة”
المحللون يوضحون أن خطة فوكسكون لبناء مصانع في هيوستن بولاية تكساس، كجزء من خطة “إنفيديا” الاستثمارية الأميركية البالغة 500 مليار دولار، وفي المكسيك لإنتاج خوادم الذكاء الاصطناعي للعميل الأميركي، تؤكد هذه الاستراتيجية، مما يبرز التزامها بتوسيع نطاق عملياتها، وتلبية احتياجات عملائها في جميع أنحاء العالم
فوكسكون تتوقع الآن أن تنمو إيرادات خوادم الذكاء الاصطناعي بأكثر من 170% في الربع الثالث على أساس سنوي، مما يعكس التوقعات الإيجابية لأداء هذا القطاع، ويؤكد على أهميته في تحقيق النمو المستقبلي للشركة
تحول أوسع في تايوان
هذا التحول في فوكسكون يعكس اتجاهًا أوسع في قطاع التكنولوجيا في تايوان، حيث تستثمر الشركات التي كانت تركز في السابق على الإلكترونيات الاستهلاكية، مثل فوكسكون مع أجهزة آيفون، و”كوانتا كومبيوتر” و”ويسترون” مع أجهزة الكمبيوتر المحمولة، بكثافة في خوادم الذكاء الاصطناعي، وهذا يؤكد على قدرة الشركات التايوانية على التكيف مع التغيرات في السوق، والاستفادة من الفرص الجديدة المتاحة
إيرادات “ويسترون”، شريكة “إنفيديا”، ارتفعت بنسبة 92,7% خلال الفترة من يناير إلى يوليو، بينما نمت إيرادات “كوانتا” بنسبة 65,6% في الفترة نفسها، مما يدل على النمو القوي الذي تشهده هذه الشركات في مجال خوادم الذكاء الاصطناعي
روبرت تشنغ، رئيس أبحاث أجهزة التكنولوجيا في آسيا لدى “بنك أوف أميركا جلوبال ريسيرش”، يقول: “إن ارتفاع المبيعات الشهرية لمصنعي الأجهزة الأصلية في تايوان في النصف الأول من عام 2025 دليل على هذا الاتجاه”، في إشارة إلى شركات تصنيع التصميمات الأصلية مثل فوكسكون التي تُصنّع منتجاتها بموجب عقود لعملائها
هذا التحول السريع نحو خوادم الذكاء الاصطناعي يُعزى إلى تعاون سلسلة توريد التكنولوجيا التايوانية بشكل وثيق مع شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة في أعمال البنية التحتية لمراكز البيانات على مدار عقد من الزمن، وفقًا لكريس وي، مستشار الصناعة في معهد استخبارات السوق والاستشارات التايواني
ويُقدر أن تايوان تمثل حوالي 80% من شحنات الخوادم العالمية وأكثر من 90% من خوادم الذكاء الاصطناعي، مما يؤكد على مكانتها المهيمنة في هذا السوق
ويقول: “نعتقد أن هذا التحول نحو خوادم الذكاء الاصطناعي، أيًا كان شكله، مفيدٌ لصناعة التكنولوجيا في تايوان”، مشيرًا إلى قدرة الشركات التايوانية على التحول بسرعة لتلبية الاحتياجات المتغيرة لعملائها