الصين تدخل رسمياً معترك الذكاء الاصطناعي القانوني، لتعلن عن حقبة جديدة في هذا المجال المتطور بسرعة, حيث كشف باحثون النقاب عن “نموذج شياو باو غونغ للمحتوى القانوني”, و هو نظام ذكاء اصطناعي متخصص يرتكز على قاعدة بيانات هائلة تضم أكثر من 200 مليون حكم قضائي و4,2 مليون قانون ولائحة
هذا الإطلاق يمثل باكورة نماذج الذكاء الاصطناعي القانونية العمودية واسعة النطاق في البلاد، ويعكس تحولاً لافتاً في نظرة الحكومات إلى الخدمات القانونية المعززة بالذكاء الاصطناعي, وذلك وفقاً لتقرير نشره موقع “gizmochina” واطلعت عليه “العربية Business”
نهج “المحركين” في قلب الذكاء الاصطناعي القانوني
ليس اختيار هذا التوقيت عشوائياً, فبينما تعمل الصين على تطوير نماذج عامة تنافسية مثل “ديب سيك” وأنظمة من شركات مثل “بايدو” و”علي بابا” و”بايت دانس”, تولي بكين اهتماماً خاصاً أيضاً بإنشاء أنظمة ذكاء اصطناعي متخصصة للغاية ومصممة لخدمة قطاعات وحالات استخدام محددة
نموذج شياو باو غونغ، الذي تم تطويره على يد فريق البروفيسور وانغ يانلينغ في جامعة جنوب الصين للمعلمين، يجسد هذا التوجه الموازي نحو التخصص الرأسي
ما يزيد من جاذبية هذا النظام هو “هيكله ثنائي المحرك” الذي يدمج بين نموذج لغوي عام واسع ونموذج عمودي متخصص
يتمتع هذا النموذج بقدرات محادثة واسعة النطاق وخبرة متعمقة ومحددة في القانون الصيني
علاوة على ذلك، قام الباحثون بدمج الرسوم البيانية للمعرفة القانونية وتقنيات التوليد المعزز بالاسترجاع (RAG), وهي آليات تهدف بشكل أساسي إلى ضمان قدرة الذكاء الاصطناعي على ربط استنتاجاته بوثائق وسوابق قانونية محددة
هذا ليس مجرد تمرين أكاديمي, فقد اجتاز النموذج بالفعل تسجيل الخوارزمية لدى إدارة الفضاء الإلكتروني الصينية، مما يمنحه الضوء الأخضر للتطبيق العملي
التطبيقات التي يضعها الباحثون في الحسبان تتسم بطابع عملي للغاية, وتشمل إعادة النظر الإدارية (مثل الطعون ضد القرارات الحكومية)، والرقابة القضائية، والامتثال للعقود
معالجة نقص الخدمات القانونية في الصين
تواجه الصين تحدياً كبيراً في توفير الخدمات القانونية, إذ يتركز معظم المحامين الممارسين، البالغ عددهم 700 ألف محامٍ، في المدن الشرقية الثرية, تاركين مساحات شاسعة من البلاد، ولا سيما المناطق الريفية الغربية، مع تمثيل قانوني محدود للغاية أو حتى معدوم
في بعض المقاطعات، قد لا تجد حتى مكتب محاماة واحد
نظرياً، يمكن لنظام ذكاء اصطناعي قادر على تقديم إرشادات قانونية أساسية وتحليل الوثائق أن يساعد في تضييق هذه الفجوة, وتقديم شكل من أشكال الخدمات القانونية
لكن تظل هناك تساؤلات حول كيفية تطبيق ذلك على أرض الواقع, إذ غالباً ما تميل أنظمة الذكاء الاصطناعي القانونية، كما هو مثبت، إلى “التوهم”, حيث تقدم استشهادات وسوابق قانونية تبدو منطقية، لكنها في الواقع محض اختلاق
يؤكد الباحثون أن نظامهم يعالج هذه المشكلة من خلال هيكله البياني المعرفي, وتركيزه على الاستجابات القابلة للتتبع والتحقق
لكن الاختبار الحقيقي يكمن في قدرته على الحفاظ على هذا المستوى من الدقة عند تطبيقه على نطاق واسع
تثار أيضاً مسألة الفروق الدقيقة القانونية, ففي حين أن عدد 200 مليون قضية يبدو مثيراً للإعجاب، إلا أن القانون يتجاوز مجرد مطابقة الأنماط، بل يتطلب فهم السياق، وموازنة المصالح المتضاربة، واتخاذ قرارات قد يختلف بشأنها حتى الخبراء البشريون
تشير “آلية التعلم الديناميكية” للنظام، والتي تمكنه من التحسن استناداً إلى الملاحظات الواقعية، إلى أن الباحثين يدركون هذا التحدي
الأهم من ذلك، أن الصين تصوره على أنه أكثر من مجرد مشروع بحثي
إن إطلاق مسابقة “كأس شياو باوغونغ” لكتابة المقالات التحليلية القانونية التجريبية، بالإضافة إلى منتدى حول بناء مختبرات الذكاء الاصطناعي والقانون، يدل على جهود منسقة للانتقال من البحث الأكاديمي إلى التطبيق على نطاق واسع