يشهد الذهب ارتفاعاً مستمراً في أسعاره العالمية خلال الآونة الأخيرة، ليستمر في تسجيل مستويات قياسية، مدفوعاً بتطورات اقتصادية وجيوسياسية متلاحقة، ويعتبر الذهب اليوم من أبرز أدوات التحوط التي تلجأ إليها الدول والمستثمرون في ظل الاضطرابات العالمية المتزايدة، وزيادة المخاوف من تراجع الثقة في العملات الرئيسية.
في هذا التقرير، نرصد أسباب ارتفاع أسعار الذهب عالمياً.
الأزمات الجيوسياسية
أوضح سامح الترجمان، مؤسس ورئيس شركة Evolve Investment Holding، أن هناك أسباباً جوهرية وراء هذا ارتفاع الأسعار، وتتعلق بالأزمات الجيوسياسية والتغيرات العميقة في النظام المالي العالمي، ويرى الترجمان، في حديثه مع قناة الشرق، أن من أبرز العوامل خلف ارتفاع أسعار الذهب هو التوترات الجيوسياسية المتزايدة حول العالم، بدءاً من الحرب الروسية الأوكرانية، مروراً بالصراع في غزة، والأزمات المتكررة في الشرق الأوسط، وصولاً إلى التوتر بين الولايات المتحدة والصين وما تبعه من حروب تجارية واقتصادية مع كندا ودول أخرى، وأكد أن هذه الأحداث أوجدت حالة من القلق وعدم اليقين السياسي والاقتصادي، دفعت المستثمرين والمؤسسات إلى البحث عن أصول آمنة، وعلى رأسها الذهب، الذي لطالما كان الملاذ الآمن في أوقات الأزمات.
البنوك المركزية تستبدل الدولار بالذهب
وأشار الترجمان إلى وجود تحول استراتيجي كبير في سياسات البنوك المركزية العالمية، ولا سيما تلك التي تقع خارج أوروبا والولايات المتحدة، بعد العقوبات الاقتصادية التي شهدتها روسيا، لافتاً إلى أن العديد من هذه البنوك، مثل البنك المركزي الصيني والهندي، بدأت تستبدل احتياطياتها من الدولار بالذهب كنوع من التحوط ضد أي عقوبات مستقبلية أو تقلبات في النظام المالي الدولي، وأدى هذا الاتجاه إلى زيادة ضخمة في الطلب العالمي على الذهب، حيث دخلت مؤسسات مالية واستثمارية كبرى في سباق لاقتناء المعدن النفيس، مما ساهم في ارتفاع الأسعار بشكل حاد.
صعود “الذهب كبديل استراتيجي”
وأكد أنه ما يشهده العالم اليوم هو عكس العولمة التقليدية، أو ما يعرف بـ”دي-جلوبالايزيشن”، أي تراجع التكامل الاقتصادي العالمي وزيادة النزعات الحمائية، وأوضح أن هذا التحول جعل الذهب يلعب دوراً متزايد الأهمية كأداة توازن في الاقتصاد العالمي، خاصة بعد أن فقدت العملات الكبرى مثل الدولار واليورو جزءاً من الثقة التي كانت تحظى بها في الماضي.
الذهب لن يعود إلى نظام “الغطاء الذهبي”
ورغم أن بعض الخبراء يتحدثون عن احتمال عودة نظام ربط العملات بالذهب كما كان قبل السبعينيات، فإن الترجمان أكد أن هذا السيناريو صعب التحقيق في ظل تعقيدات النظام المالي الحديث وتطور التكنولوجيا المالية، لكن سيظل الذهب جزءاً محورياً في السياسات النقدية للدول، وعنصراً أساسياً في حماية الاحتياطيات القومية، خاصة مع تراجع الثقة في استقرار العملات العالمية.
