
في مشهد مؤسف على طريق الواحات، تعرضت فتيات لحادث مروع وتهشمت سيارتهن نتيجة اصطدامها بسيارة نقل، وذلك بعد تعرضهن لمضايقات من قبل طلاب جامعيين يستقلون ثلاث سيارات، هذه الواقعة ليست سوى حلقة أخرى في سلسلة من الانفلات السلوكي الذي يشهده المجتمع، حيث تتدهور الأخلاقيات بشكل ينذر بعواقب وخيمة، نتيجة الشعور بالإفلات من العقاب، وحتى أولئك الذين تفضحهم وسائل التواصل الاجتماعي يعتبرون قلة سيئة الحظ، لم يعد الأمر مقتصرًا على سائقي “التوك توك”، الذين يعتبرون وسيلة للبلطجة لا التنقل، بل امتد ليشمل طلاب الجامعات والمعاهد والمدارس، وحتى الحرفيين.
### غياب القدوة وأثره
المجتمع يمر بمرحلة من الاستهانة بالقانون والقيم الأخلاقية على جميع المستويات، سواء على صعيد المؤسسات أو الأفراد، غالبًا ما يبدأ الأمر من الإدارة، فهي النموذج الذي يحتذى به، فإذا احترمت القانون وطبقته، ارتفع شأنها ومكانتها، أما تجاهله فهو بمثابة إعلان صريح بالتنكر له، وهذا هو الواقع المرير.
### إهمال الأسرة والتعليم للأخلاق
مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية، تراجعت أهمية الأخلاق في الأسرة، والتعليم بدوره لا يعززها بالشكل الكافي، سواء في المراحل الدراسية المبكرة أو الجامعية، نشهد إصدار لوائح متسرعة وإنشاء جامعات استثمارية دون دراسات جدوى متأنية، الممارسات التعليمية تعتمد على التنظير والادعاء، ومسؤولون يتجاوزون صلاحياتهم في المدارس ويتعدون على حقوق المعلمين، فكيف نتوقع من الطلاب احترامهم وتقديرهم للمؤسسة التعليمية ككل، أما على مستوى الجامعات، فقد أضعفت معايير الجودة الزائفة احترام الجامعات، بممارسات شكلية واستبيانات تشجع الطلاب على التجاوز في حق أعضاء هيئة التدريس، هذه المعايير لم تغرس قيم الاجتهاد والالتزام والمواظبة، بل عززت السطحية والمظاهر الخادعة، أليس الهدف هو تنقل حاملي شعارات هذه الجودة من منصب لآخر ومن جائزة لأخرى، هل هذا هو الغاية المنشودة.
### الإعلام والفن وترسيخ البلطجة
ما يسمى بالإعلام والفن لا يقدم إلا الاتهامات والسباب والمهاترات العلنية، وادعاءات الوطنية الزائفة، البلطجة في المسلسلات والأفلام أصبحت تجمل تحت مسميات “البطل الشعبي” خفيف الظل، بدلاً من تصويرها كجريمة.
### الشباب في مواجهة مجتمع منحرف
ماذا نتوقع من الشباب في ظل هذه الظروف، حيث يحصل البلطجي على فرص بملايين الجنيهات ويقود السيارات الفارهة، وحين يرون كبار السن يطردون إلى الشوارع باسم القانون، لا بد أن يتحولوا إلى بلطجية وسارقين ومتحرشين.
### وسائل التواصل والداخلية.. بصيص أمل
الشكر لوسائل التواصل الاجتماعي التي كشفت العديد من الجرائم في ظل غياب شبه تام للإعلام الحقيقي، ونشيد باستجابة وزارة الداخلية السريعة، ولكن لا يزال هناك الكثير مما لم يكشف بعد، في ظل أجواء التعتيم.
اللهم نكتب لوجهك الكريم، مع علمنا بأن الصمت يجلب الراحة والجوائز.
ا. د/ حسام محمود فهمي
أستاذ هندسة الحاسبات بهندسة جامعة عين شمس