أُعلن مؤخرًا لمالكي سيارات تسلا الكهربائية عن حصولهم على ميزة إضافية مجانية، فابتداءً من 12 يوليو، أصبح روبوت الدردشة “غروك” مُثبتًا تلقائيًا ومتاحًا للاستخدام في جميع سيارات تسلا الجديدة، ما يمثل إضافة قيمة لتجربة القيادة، ويفتح آفاقًا جديدة للتفاعل داخل السيارة
و”غروك” هو روبوت دردشة متطور يعتمد على الذكاء الاصطناعي، وقد طوّرته شركة “xAI”، وهي شركة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي أسسها إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، قبل عامين.
ويبدو أن ماسك يهدف إلى استغلال أصوله المتنوعة ومشروعاته التجارية لتقديم قيمة مضافة لعملائه، وفي هذا السياق، يبرز سؤال مهم حول الطرف المستفيد الأكبر من هذه “الهدية” التي تعزز في الوقت نفسه مكانة أعمال ماسك، وذلك وفقًا لتقرير نشرته مجلة فورتشن واطلعت عليه “العربية Business”.
ومع هذا التحديث الجديد، يظهر “غروك” الآن كزر بارز على الشاشة الرئيسية لسيارة تسلا، مما يتيح للمستخدمين التفاعل معه بسهولة لطرح الأسئلة أو تكليفه بمهام متنوعة، تمامًا كما يفعلون مع روبوتات الدردشة الأخرى المعروفة مثل “شات جي بي تي” من شركة “OpenAI” أو “Gemini” من “غوغل”.
في الوقت الحالي، لا يمتلك “غروك” القدرة على التحكم في وظائف السيارة الأساسية، مثل النوافذ أو مكيف الهواء، لكن من السهل تصور العديد من الاستخدامات العملية المحتملة لهذا النموذج اللغوي الكبير داخل السيارة، بدءًا من الرد على رسائل البريد الإلكتروني الهامة ووصولًا إلى تلخيص الكتب الطويلة أثناء القيادة.
من المستفيد؟
من المرجح أن تجعل هذه الاتفاقية الجديدة بين “تسلا” و”xAI” من “تسلا” عميلًا رئيسيًا لشركة الذكاء الاصطناعي، على الرغم من أن أيًا من الشركتين لم تفصح عن التفاصيل المالية الدقيقة المتعلقة بهذه الشراكة الاستراتيجية.
تجدر الإشارة إلى أن “تسلا” قد باعت ما يقرب من 1,8 مليون سيارة خلال العام الماضي وحده، مما يعني أن هذه الشراكة الجديدة ستفتح الباب أمام ملايين العملاء الجدد لبدء استخدام “غروك” واستكشاف إمكاناته المتنوعة.
وحتى إذا استفادت نسبة صغيرة فقط من مالكي “تسلا” الجدد من هذه الميزة المبتكرة، فقد يؤدي ذلك حتمًا إلى زيادة تكاليف الحوسبة لشركة “xAI”، التي تنفق بالفعل ما يقرب من مليار دولار شهريًا لتطوير مراكز البيانات الخاصة بها وشراء ما يكفي من رقائق الكمبيوتر المتطورة لمنافسة شركات الذكاء الاصطناعي الأخرى.
لكن من الضروري التفكير مليًا في طريقة مشاركة البيانات التي قد تحدث بعد تثبيت “غروك” في سيارات تسلا، ففي إفصاحاتها الرسمية، أكدت “تسلا” أن محادثات السائقين مع “غروك” ستُعالج بأمان تام بواسطة “xAI”، بما يتماشى مع سياسة خصوصية “xAI” الصارمة، مشيرةً إلى أن المحادثات ستكون مجهّلة الهوية ولن تُربط بأي سيارة بعينها.
ويكشف تحليل دقيق لسياسة خصوصية “xAI” أن الشركة تقوم بجمع معلومات شخصية متنوعة، بالإضافة إلى محتوى المستخدم، ومعلومات من منصات التواصل الاجتماعي، وبيانات أخرى مرتبطة باستخدام الخدمة، كما أنها تشارك هذه البيانات مع مزودي خدمات متعاقدين معها، والشركات التابعة لها، وأيضًا مع الجهات الخارجية التي يوافق العملاء صراحةً على مشاركة المعلومات معها.
لكن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هو: ما هي أنواع البيانات الدقيقة التي ستتمكن “xAI” من الوصول إليها عند استخدام “غروك” في سيارات تسلا؟
وقد اقترح ماسك إضافة “كلمة تنبيه” محددة لتفعيل روبوت الدردشة، لكن يبقى السؤال: هل سيحد هذا الإجراء من أجزاء المحادثات التي يلتقطها “غروك” داخل السيارة؟ أم أنه سيستمع إلى كل ما يُقال في السيارة بمجرد تفعيله عبر الشاشة الرئيسية؟
وتجدر الإشارة إلى أن المحادثات ليست سوى جزء واحد من البيانات المتاحة، فالسيارات الحديثة أصبحت من أقوى أجهزة جمع البيانات في حياتنا اليومية، فهي تحتوي على أجهزة كمبيوتر متطورة وأجهزة استشعار متعددة، وتشير بعض التقديرات إلى أنها تنتج حوالي 25 غيغابايت من البيانات كل ساعة، وهي بيانات قد تكون ذات قيمة خاصة لشركة تمتلك نموذج ذكاء اصطناعي ضخم يحتاج إلى كميات هائلة من البيانات لتدريبه وتحسين أدائه.
وتؤكد “تسلا” في سياسة الخصوصية الخاصة بها أنها تستخدم بيانات السيارات في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بالقيادة الذاتية، كما أنها تسمح لعملائها بتنزيل نسخ من البيانات التي تجمعها سياراتهم بأنفسهم.
ومع ذلك، لا تقدم “تسلا” تفاصيل واضحة حول أنواع البيانات التي تستخدمها بالتحديد، ولا تحدد الأغراض التي تستخدمها من أجلها، كما أنها لم تقم بتحديث سياسة الخصوصية الخاصة بها منذ إضافة “غروك” في 12 يوليو، لذلك لا يزال من غير الواضح تمامًا كيف سيتم استخدام المحادثات التي تجري داخل السيارات.
خطر كبير
صرح ألبرت كاهن، المدير التنفيذي لـ” Surveillance Technology Oversight Project”، وهي منظمة معنية بالمصلحة العامة وتقدم خدمات قانونية متخصصة وتركز بشكل أساسي على كيفية استخدام التكنولوجيا لاستهداف الأفراد: “هذا جزء من اتجاه أوسع نطاقًا نلاحظه بوضوح في صناعة السيارات”.
وأضاف: “لقد تحولت السيارات من مجرد رمز للاستقلالية على الطرق المفتوحة إلى أحد أكثر جوانب حياتنا خضوعًا للمراقبة الدقيقة، وهناك خطر كبير كامن في استخدام البيانات التي تُجمع سرًا من سياراتنا ضدنا، سواء من قبل جهات إنفاذ القانون أو مسؤولي الهجرة، أو حتى استغلالها ببساطة لتحقيق مكاسب ربحية دون الحصول على موافقتنا الصريحة”.
وتحتوي سيارات تسلا، على وجه الخصوص، على مجموعة متطورة من الكاميرات وأجهزة الاستشعار، فهي تجمع باستمرار البيانات من مقاطع الفيديو والكاميرات، بالإضافة إلى بيانات أجهزة الاستشعار بالموجات فوق الصوتية، ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS) ومعلومات الموقع الدقيقة، وبيانات القراءات الحيوية للمركبة، مثل السرعة، ومستوى استخدام البطارية، وقراءات عداد المسافات، وسجلات الأحداث الهامة مثل بيانات الاصطدامات أو الأعطال، وبيانات تفاعل المستخدم المفصلة.
والجدير بالذكر أن هذه البيانات تُقدم بانتظام من قبل “تسلا” إلى السلطات الحكومية بهدف المساعدة في العثور على المجرمين أو لدعم جهود جهات إنفاذ القانون في التحقيقات الجنائية، ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح تمامًا ما إذا كان يُسمح باستخدام المحادثات التي تجري مع “غروك” في هذه التحقيقات أيضًا.
وأشار كاهن إلى أنه مع الزيادة المستمرة في عدد الكاميرات وأجهزة الاستشعار المتطورة في المركبات ذاتية القيادة، يتم جمع كمية متزايدة من أنواع البيانات المختلفة من السائقين، وأضاف: “تتسابق هذه الشركات لتقديم ادعاءات بأن بياناتنا تُخفي هويتها بشكل فعال، ولكن من الصعب للغاية من الناحية العملية إخفاء هوية هذا النوع من المعلومات بطريقة تضمن عدم إمكانية إعادة تحديد هوية أصحابها في وقت لاحق”.
وباعتباره الشخص الذي يقف وراء بعض أشهر المنتجات التقنية الرائدة اليوم – بدءًا من السيارات الكهربائية المبتكرة، وتقنيات القيادة الذاتية المتطورة، والنماذج اللغوية الكبيرة المعقدة، ووصولًا إلى منصات التواصل الاجتماعي واسعة الانتشار وأقمار ستارلينك للإنترنت – يبدو أن ماسك يصر بشكل متزايد على دمج مختلف مكونات إمبراطوريته التجارية لتقديم منتجات جديدة وفريدة للمستهلكين، وفي النهاية، سيكون قرار المستهلكين بشأن مدى جدوى هذه التنازلات أمرًا متروكًا لهم.