الاشتراكات تتوسع من نتفلكس إلى السيارات ما الأسباب؟

الاشتراكات تتوسع من نتفلكس إلى السيارات ما الأسباب؟

يشهد العالم تحولاً ملحوظاً في عادات الاستهلاك، حيث يفضل الكثيرون اليوم الدفع مقابل الخدمات بشكل شهري بدلاً من الشراء دفعة واحدة، هذا الواقع الجديد أثار تساؤلات مهمة لدى خبراء الاقتصاد، حول ما إذا كان هذا التوجه يعكس مرونة اقتصادية حقيقية أم أنه يمثل عبئاً مستمراً على ميزانيات الأسر

لقد تطورت عادات الاستهلاك بشكل كبير في العصر الحديث، مما أدى إلى ظهور نموذج اقتصادي جديد يعتمد على الاشتراكات الشهرية، هذه الظاهرة دفعت خبراء الاقتصاد إلى التساؤل عما إذا كانت هذه الطريقة في الدفع تمثل مرونة مالية حقيقية، أم أنها تشكل عبئاً طويل الأمد على المستهلكين

مرونة أم التزام؟

يؤكد الدكتور أحمد غنيم، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، في حديثه لـ “سكاي نيوز عربية”، أن الجيل الجديد من المستهلكين يولي المرونة أهمية أكبر من فكرة الامتلاك، ويضيف أن شراء سيارة أو مكتبة أفلام لم يعد جذاباً كما كان في السابق، بل أصبح الحصول على الخدمة عند الحاجة هو الأهم

ويوضح الدكتور غنيم أن الاشتراكات تمنح المستهلك حرية الاشتراك والإلغاء دون الحاجة إلى استثمار مالي كبير في البداية، وهذا يتناسب مع وتيرة الحياة السريعة في العصر الرقمي

ويرى غنيم أن هذا التحول يتجاوز مجرد تغيير في السلوك الاستهلاكي، فهو يعكس فلسفة اقتصادية جديدة لدى الشباب، حيث لم يعد الامتلاك رمزاً للمكانة الاجتماعية أو الاستقرار كما كان في الماضي، بل أصبحت تجربة خيارات متعددة والمرونة في الاستخدام أكثر قيمة

ويشير أيضاً إلى أن هذا الاتجاه يرتبط بتراجع ثقة الشباب في الاستثمارات طويلة الأجل، خاصة في ظل تقلبات سوق العمل والأزمات الاقتصادية العالمية، لذلك يفضلون الدفع مقابل الخدمة فقط، دون تحمل أعباء الصيانة أو الالتزامات طويلة الأمد

أقرأ كمان:  «ليلة ساحرة» عمرو دياب يشعل العلمين بإطلالات صيفية وأغنيات "ابتدينا"

كما يلفت إلى أن انتشار ثقافة “التجربة” على حساب “الاقتناء” قد يعيد تشكيل قطاعات اقتصادية بأكملها، حيث أصبح المستهلك يقارن بين الخدمات بشكل دوري، وينتقل بسهولة من منصة إلى أخرى، مما يجبر الشركات على تحسين عروضها باستمرار للحفاظ على ولاء العملاء

الشركات تستفيد من التحول

تعتبر الشركات هذا النموذج فرصة قيمة، فبدلاً من البيع لمرة واحدة، يتحول العميل إلى مصدر دخل ثابت ومستمر

ويوضح محمد حجازي، مسؤول التسويق في إحدى شركات السيارات بمصر، في تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية”، أن خدمات الاشتراك الشهري بدأت بالانتشار في سوق السيارات مؤخراً، حيث لم يعد العميل بحاجة إلى دفع مبالغ كبيرة لامتلاك سيارة، بل يمكنه الاشتراك ودفع مبلغ شهري ثابت يغطي تكاليف الاستعمال والصيانة والتأمين

ويضيف أن هذا النموذج يلائم بشكل خاص الشباب ورواد الأعمال الذين يبحثون عن المرونة وتجنب الالتزامات طويلة الأجل

المستهلك بين الراحة والاستنزاف

على الرغم من المزايا المذكورة، يحذر البعض من أن هذا النمط قد يتحول إلى عبء مالي، حيث توضح داليا جودة من جهاز حماية المستهلك، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية” أن كثرة الاشتراكات الشهرية قد تستنزف دخل المستهلك دون أن يشعر، فالبعض يشترك في خدمات مثل نتفلكس وسبوتيفاي وتطبيقات رياضية وخدمات إنترنت وألعاب، ثم يكتشف في النهاية أن المبلغ الذي يدفعه شهرياً يعادل أقساطاً ثابتة طويلة الأجل

وتضيف أن التوعية هنا ضرورية، لأن المستهلك قد ينجذب إلى سهولة الاشتراك ومرونته دون أن يحسب التراكم المالي الناتج

مستقبل اقتصاد الاشتراكات

تشير التقارير الاقتصادية إلى أن حجم سوق الخدمات القائمة على الاشتراكات سيزداد عالمياً في السنوات القادمة، خاصة مع دخول هذا النموذج إلى مجالات جديدة مثل الملابس والأجهزة المنزلية وحتى الرعاية الصحية

أقرأ كمان:  «وراء كل ابتسامة حكاية».. 6 عبارات شائعة تكشف خبايا المعاناة النفسية

ويرى الخبراء أن هذا النموذج سيستمر، لكنه يحتاج إلى تنظيم أكبر لحماية المستهلكين وضمان عدم استغلالهم، يجب وضع آليات تضمن حقوق المستهلكين وشفافية الأسعار

وبين من يرى فيه خياراً عصرياً يوفر المرونة والحرية، ومن يعتبره التزاماً يستنزف الدخل، يبقى اقتصاد الاشتراكات انعكاساً لتحولات الحياة الحديثة، حيث تتراجع فكرة الامتلاك أمام ثقافة “الاستخدام عند الحاجة”