وداع بالملايين التكلفة الخفية لرحيل الرؤساء التنفيذيين

وداع بالملايين التكلفة الخفية لرحيل الرؤساء التنفيذيين

قد يبدو قرار إقالة رئيس تنفيذي بسيطًا للوهلة الأولى، لكن الواقع يكشف عن تعقيدات جمة، فخلف كل قرار من هذا القبيل تكمن شبكة متشابكة من التكاليف المباشرة وغير المباشرة التي قد تتجاوز مئات الملايين من الدولارات، مما يجعله قرارًا استراتيجيًا ذا أبعاد مالية هائلة، و يجب دراسته بشكل عميق،

إن تنحية رئيس تنفيذي أو إقالته تحمل أعباء مالية ضخمة، تبدأ بتعويض الرئيس الراحل ولا تنتهي بالمكافآت السخية لجذب خليفته، وتعد قصة ستاربكس في عام 2024 خير مثال على ذلك، فبعد استبدال الرئيس التنفيذي لاكشمان ناراسيمهان ببريان نيكول، تكشفت التكاليف الباهظة لهذا الانتقال،

انتقال قيادي مكلف في ستاربكس

في عام 2024، بلغت التكلفة الإجمالية لتغيير القيادة في ستاربكس حوالي 130 مليون دولار، وقد بررت الشركة هذا المبلغ الضخم بحاجتها الماسة إلى “قائد تحويلي” قادر على إحداث نقلة نوعية في الأداء، وتجاوز التحديات الراهنة،

يشمل هذا المبلغ تعويضات نهاية الخدمة المتوقعة للرئيس التنفيذي السابق لاكشمان ناراسيمهان، بالإضافة إلى مكافآت “التعويض الكامل” التي تضمنت مبالغ نقدية وأسهمًا، بهدف إغراء بريان نيكول بترك منصبه كرئيس لشركة Chipotle Mexican Grill والانضمام إلى ستاربكس،

ثمن الإقصاء المقنّع

على الرغم من أن رحيل لاكشمان ناراسيمهان عن منصب الرئيس التنفيذي لستاربكس تم تقديمه رسميًا على أنه “استقالة فورية”، إلا أن المؤشرات تشير بوضوح إلى أن الأمر لم يكن স্বেচ্ছায়ًا، بل أقرب إلى إقالة جاءت نتيجة لضغوط داخلية من الإدارة والمستثمرين،

في عالم الشركات الكبرى، غالبًا ما يُستخدم بيان الاستقالة كستار لإخفاء قرار فصل مفاجئ، حيث يعمل المحامون وفرق العلاقات العامة على صياغة قصة انتقال “سلس” لتجنب الصدمة، لكن هذا التجميل يخفي وراءه تكاليف مالية باهظة تتحملها الشركة لإرضاء الرئيس الذي تم الاستغناء عنه،

تسارع وتيرة الإقالات في المناصب العليا

بالإضافة إلى ستاربكس، شهد عام 2024 تنحي رؤساء تنفيذيين في شركات بارزة أخرى مثل نايكي ووينديز وبيلوتون إنتراكتيف وأندر آرمور وسي في إس هيلث، مما يعكس تحولات كبيرة في عالم القيادة،

وفقًا لموقع Exechange.com، وهو مصدر موثوق لتحليلات تنحي الرؤساء التنفيذيين، شهدت المناصب العليا زيادة في معدل الدوران الوظيفي في عام 2024، حيث كان معظمها غير مخطط له، وتم تسجيل 134 حالة إقالة لرؤساء تنفيذيين خلال ذلك العام في الشركات المدرجة ضمن مؤشر Russell 3000، الذي يقيس أداء أكبر 3000 شركة عامة في الولايات المتحدة،

أقرأ كمان:  ترامب يرد على الصحفيين من سطح البيت الأبيض مباشرة

وقد ازدادت وتيرة الإقالات في النصف الأول من عام 2025 بين الرؤساء التنفيذيين، وسط ضغوط التعريفات الجمركية والقلق من تأثيرات الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى مخاوف أخرى داخل مجالس الإدارات، حيث فقد حوالي 42% من أصل 157 رئيسًا تنفيذيًا مناصبهم، مقارنة بمتوسط يقارب ثلث الرؤساء التنفيذيين خلال السنوات الثماني الماضية، وفقًا لبيانات Exechange.com،

وداع بملايين الدولارات للمديرين التنفيذيين

وفقًا لتقرير أعدته “بلومبرغ” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، غالبًا ما تكون التكلفة الحقيقية لإقالة الرؤساء التنفيذيين غير واضحة، ولكنها دائمًا ما تكون باهظة، حيث تختلف تعويضات نهاية الخدمة للرؤساء التنفيذيين اختلافًا كبيرًا بين شخص وآخر،

لكن وفقًا لتحليل أجرته شركة Farient المتخصصة في استشارات التعويضات وحوكمة الشركات، تبين أن الشركات دفعت في المتوسط للمديرين المفصولين خلال عام 2024 حوالي 3٫1 مليون دولار نقدًا، أما الشركات التي اختارت التعويض عن طريق الأسهم، فقد دفعت في المتوسط ما قيمته 6٫2 مليون دولار من الأسهم لكل مدير مفصول، وغالبًا ما تكون هذه المبالغ لتوديع شخص لم يحقق التوقعات،

ما هي التكاليف التي تتحملها الشركات عند الإقالة؟

للوصول إلى تقدير أدق للتكلفة الحقيقية لإقالة الرؤساء التنفيذيين، استعانت “بلومبرغ نيوز” بآراء خبراء في مجال التعويضات وأكاديميين ومحامين متخصصين في شؤون الشركات، بالإضافة إلى مستشارين في البحث عن القيادات التنفيذية وخبراء في العلاقات العامة، وكشف هذا التحليل أن أي شركة تقدم على مثل هذه الخطوة ستواجه سلسلة من المدفوعات الإلزامية، وأبرزها،

تكاليف البحث عن بديل مناسب

عادةً ما تفوض الشركات الكبيرة خبراء خارجيين للبحث عن الرئيس التنفيذي الجديد والتفاوض معه على عقد العمل، وإبلاغ المستثمرين ووسائل الإعلام بإقالة المدير القديم،

ووفقًا لشركة إكويلار الاستشارية في مجال الرواتب، تبلغ تكلفة البحث عن رئيس تنفيذي لشركة كبيرة 3 ملايين دولار، وقد تصل في بعض الحالات إلى 5 ملايين دولار،

كما أن العديد من الخبراء من خارج الشركة يقدمون خدمات “الاستشارات القيادية”، التي توفر كل شيء بدءًا من النصائح لتسهيل عملية الانتقال القيادي بسلاسة وصولًا إلى تدريب الرؤساء التنفيذيين وتأهيلهم، وفي المقابل، قد يتقاضى هؤلاء أجورًا سنوية تتراوح بين 250 و500 ألف دولار أمريكي مقابل هذه الخدمات،

أقرأ كمان:  «سر النشاط في عمر المئة» معمرة أمريكية تكشف عن نظامها الغذائي وروتينها الرياضي للحفاظ على لياقتها (صور)

أتعاب المحامين والمستشارين القانونيين

عند إقالة رئيس تنفيذي، تتحمل الشركات تكاليف إضافية مرتبطة بالجوانب القانونية، حيث تستعين بمحامين لصياغة اتفاقيات عدم المنافسة وضمان الامتثال للوائح، بالإضافة إلى إعداد عقد الرئيس التنفيذي الجديد، وبما أن أتعاب هؤلاء المحامين قد تصل إلى نحو 2000 دولار في الساعة، فإن إجمالي التكلفة النهائية قد يرتفع أحيانًا ليصل إلى ملايين الدولارات،

تكاليف الحفاظ على الكفاءات القيادية

قد يؤدي قرار إقالة رئيس تنفيذي إلى رحيل قادة كبار آخرين من الشركة، فقد أظهرت دراسة أن تعيين رئيس تنفيذي جديد من خارج الشركة يضاعف احتمالات رحيل المديرين الكبار، الذين قد يشعر بعضهم بأنهم كانوا الأجدر بالمنصب، ولمواجهة هذا الخطر، تلجأ الشركات إلى ما يُسمى بـ “مكافآت الاحتفاظ”، وهي حوافز مالية أو أسهم تُمنح لهؤلاء القادة بهدف تهدئة مخاوفهم وتشجيعهم على البقاء،

تكاليف المستشارين الجدد وتأثيرهم

قد يستقدم الرئيس التنفيذي الجديد أعضاءً ومستشارين جددًا يمثلون نهجه في الإدارة العليا للشركة، مما يؤدي إلى تكاليف إضافية،

تكاليف إنهاء الخدمة والتعويضات

سيحصل الرئيس التنفيذي المُقال من ستاربكس، لاكشمان ناراسيمهان، على أكثر من 9 ملايين دولار نقدًا، على الرغم من أن فترة عمله لم تتجاوز 17 شهرًا، وتعد هذه الفاتورة الباهظة بمثابة “ثمن الإقصاء” الذي تدفعه الشركات الكبرى لتأمين خروج سريع وسلس للمدير المُقال، تجنبًا للدخول في نزاعات أو أزمات إضافية،

رواتب المديرين التنفيذيين الجدد ومزاياهم

عندما تكون الشركة في عجلة من أمرها لإيجاد رئيس تنفيذي جديد يعيدها إلى المسار الصحيح، ترتفع التكلفة أكثر، إذ تضطر لدفع راتب مغرٍ يتجاوز ما كان يحصل عليه المرشح في وظيفته السابقة، وذلك لتعويضه عن ترك منصبه وجذبه للانضمام،

تأثير القرارات الإدارية على ثقة المستثمرين

عندما يتعلق الأمر بإقالة الرؤساء التنفيذيين، يميل المستثمرون وصناديق التحوط إلى الشعور بالقلق من أن مجلس الإدارة، الذي يتعرض لضغوط، قد يتخذ قرارًا سيئًا آخر، ووجدت دراسة أجرتها شركة FTI Consulting أن أخبار تغيير المدير التنفيذي جعلت المستثمرين أكثر عرضة لبيع أسهم شركة معينة بأكثر من ضعف احتمال شرائها، وقال ما يقرب من 40% من المستثمرين في نفس الدراسة إنهم سيبيعون أسهم الشركة لمجرد أن الرئيس التنفيذي جديد،

أقرأ كمان:  «اعترافات قاتلة».. طبيب مشهور يقر بذنبه في وفاة ماثيو بيري نجم "فريندز"

إقالة رئيس تنفيذي, القرار الإداري الأغلى

يقول الخبير في الإدارة المالية حسان حاطوم في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن المسألة لا تقتصر على تعويض نهاية الخدمة أو شيك ضخم يُمنح للمغادر، بل تتجاوز ذلك إلى منظومة كاملة تُرهق ميزانية الشركة، ففي كثير من الحالات يتحول التغيير الإداري إلى استثمار إجباري بمئات الملايين من الدولارات، وهو ثمن باهظ يتحمله المساهمون في النهاية، وإلى جانب المدفوعات المالية للمقال، قد تظهر سلسلة معقدة من التداعيات مثل فقدان الاستقرار الداخلي واحتمالية رحيل قيادات أخرى تشعر بالتهميش، بالإضافة إلى تحدي إعادة بناء الثقة داخل الشركة، ولذلك يمكن القول إن إقالة الرئيس التنفيذي ليست مجرد قرار إداري، بل صفقة مالية ضخمة تعد من أغلى القرارات في عالم الأعمال،

تأخير القرار, حسابات الكلفة والعائد

بحسب حاطوم، قد يتساءل البعض عن السبب الذي يدفع شركة كبيرة مثل ستاربكس إلى دفع أكثر من 100 مليون دولار لتغيير رئيسها التنفيذي، لكن ما يجب إدراكه هو أن إدارة ستاربكس ربما أدركت أن التردد في اتخاذ قرار تغيير رئيسها التنفيذي سيكلفها أكثر بكثير من 100 مليون دولار، فالعديد من مجالس إدارات الشركات تبقي على رئيس فاشل لفترة أطول مما ينبغي خوفًا من تقلبات السوق أو صدمة التغيير، وهذا التردد يضاعف الخسائر ويراكم القرارات الخاطئة ويؤدي إلى استنزاف أموال الشركة،

التضحية المالية لإنقاذ المستقبل

يؤكد حاطوم أن قرار الشركات الكبيرة بالتضحية بمبلغ كبير عند إقالة رئيس تنفيذي يمهد الطريق لإنقاذ مليارات الدولارات على المدى الطويل، فمثل هذا القرار يرسل رسالة قوية إلى المستثمرين مفادها أن الشركة تواجه التحديات بشجاعة بدل التراجع أو التجاهل، مما يعزز الثقة بقدرة الإدارة على التصرف بسرعة وحسم عند الضرورة، كما أن هذه الخطوة تطمئن السوق بأن مجلس الإدارة ملتزم بحماية قيمة الشركة والحفاظ على استقرارها حتى وإن كانت التكاليف الفورية عالية،