«رفيق في زمن الوحدة».. دمية “هيودول” الذكية تُضيء حياة كبار السن في كوريا الجنوبية وتُخفف وطأة العزلة

«رفيق في زمن الوحدة».. دمية “هيودول” الذكية تُضيء حياة كبار السن في كوريا الجنوبية وتُخفف وطأة العزلة

في شقة متواضعة بجنوب سيول، نجد كيم يونغ ران، السيدة البالغة من العمر 81 عامًا، منهمكة في محادثة ودية مع دميتها القماشية، لكن هذه ليست مجرد دمية، بل هي روبوت ذكاء اصطناعي متطور يُدعى “هيودول”، صُمم خصيصًا ليكون أنيسًا لكبار السن في كوريا الجنوبية، حيث تتفاقم أزمة الشيخوخة وتزداد حدتها

وكرفيق دائم، يزيل “هيودول” الوحدة عن كبار السن، ويساعدهم على عيش حياة أكثر صحة واستقلالية، فبينما تحتضن كيم دميتها، تهمس قائلة: “أحبكِ حتى القمر”، فيجيبها الروبوت بصوت حنون: “جدتي، أفتقدكِ حتى وأنتِ بجانبي”، وذلك بحسب ما ورد في تقرير لموقع “restofworld” اطلعت عليه “العربية Business”

هيودول، الذي تم تطويره من قبل شركة ناشئة كورية تحمل الاسم نفسه، يتجاوز مجرد توفير الرفقة للمسنين، إذ يقوم بتذكيرهم بأوقات تناول الأدوية والوجبات، بالإضافة إلى مراقبة حركتهم من خلال مستشعرات متطورة، تقوم بدورها بتنبيه الأخصائيين الاجتماعيين أو أفراد العائلة في حالات الطوارئ، مما يوفر شبكة أمان إضافية لكبار السن

عزلة قاتلة وحل تقني

تواجه كوريا الجنوبية، التي تسجل أعلى معدلات انتحار بين كبار السن في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تحديات جمة نتيجة لتراجع الروابط الأسرية وتضاؤل المنازل متعددة الأجيال، الأمر الذي جعل الوحدة تهديدًا وجوديًا لكثير من المسنين، يفوق في خطورته شبح الموت

في إطار جهودها لمكافحة هذه الظاهرة، قامت بلدية غورو بتوزيع أكثر من 400 روبوت “هيودول” منذ عام 2019، وقد تجاوز عدد الوحدات المنتشرة في أنحاء البلاد 12 ألفًا، مما يعكس الإقبال المتزايد على هذه التقنية المبتكرة

نحو انتشار عالمي

وبفضل النجاح الذي حققته التجربة، تخطط الشركة لتوسيع نطاق عملها ليشمل مناطق أخرى من العالم، حيث تستهدف البدء بالولايات المتحدة في عام 2026، مع تطوير نسخ من الروبوت تتحدث الإنجليزية والصينية واليابانية، وتشير توقعات السوق إلى أن قيمة سوق روبوتات رعاية المسنين قد تصل إلى 7,7 مليار دولار بحلول عام 2030، مما يعكس الإمكانات الهائلة لهذا القطاع

أقرأ كمان:  «وداعًا للفوضى الرقمية!» CleanMyMac تُحدث ثورة في إدارة سحابات التخزين بميزة تنظيف جديدة

وعلى الرغم من أن الروبوتات قد ساهمت في توفير الراحة النفسية وتخفيف أعراض الاكتئاب والخرف، إلا أن خبراء حذروا من المخاطر المحتملة المتعلقة بالخصوصية، وذلك نظرًا لاعتمادها على بيانات صوتية شخصية يتم تخزينها في السحابة، مما يستدعي وضع ضوابط صارمة لحماية هذه البيانات الحساسة

كما أن التعلق الشديد الذي يبديه بعض كبار السن تجاه روبوتاتهم يثير تساؤلات أخلاقية مهمة، خاصة عندما يفضلون الانعزال عن العالم الحقيقي والاكتفاء بحديث “هيودول”، مما يستدعي دراسة متأنية لتأثير هذه التقنية على العلاقات الاجتماعية والإنسانية

التكنولوجيا تسد الفجوة

في ظل النقص الحاد في أعداد كوادر الرعاية المؤهلة، ترى السلطات في هذه الروبوتات وسيلة فعالة لسد الفجوة المتزايدة بين الاحتياجات المتنامية والإمكانات المحدودة، فهي تمثل حلاً عمليًا لمواجهة التحديات الديموغرافية المتزايدة

وبينما تبلغ تكلفة الوحدة الواحدة حوالي 1150 دولارًا فقط، يعتبرها مقدمو الرعاية بمثابة “عيون وآذان إضافية”، تساعدهم في مراقبة المرضى وتقديم الدعم اللازم لهم، وقد وصل الأمر ببعض المسنين إلى طلب دفن روبوتاتهم معهم بعد الموت، تعبيرًا عن مدى تعلقهم بها

في الختام، يبدو أن “هيودول” قد تجاوز كونه مجرد دمية ذكية، ليصبح رمزًا لعصر جديد، حيث تسعى التكنولوجيا إلى معالجة أكثر المشكلات الإنسانية تعقيدًا: الوحدة والعزلة