يشهد العام الدراسي الجديد في ولاية نيويورك تحولاً بارزًا بعد قرار فرض حظر استخدام الهواتف الجوالة في المدارس 2025 بدءًا من رياض الأطفال وحتى الصف الثاني عشر. هذا القرار الذي لاقى جدلاً واسعًا، أعاد النقاش مجددًا حول جدوى تطبيق إجراءات مماثلة في أماكن العمل والاجتماعات.
العقول الشابة والبيئة المهنية
القرار جاء انطلاقًا من قناعة بأن العقول النامية بحاجة إلى بيئة خالية من المشتتات، وهو ما ينطبق أيضًا على العقول المتطورة في بيئة الأعمال. يرى خبراء أن منع الهواتف في الاجتماعات قد يساهم في تعزيز التركيز، ويمنح القادة التنفيذيين والموظفين مساحة أكبر للإبداع والتفكير الاستراتيجي، كما هو الحال مع الطلاب الذين يُطلب منهم إعطاء الأولوية للتعلم.
صناديق أمانات خارج الاجتماعات
طرح محللون فكرة توفير “صناديق أمانات” خارج غرف الاجتماعات لتشجيع الموظفين على ترك هواتفهم جانبًا، مما يعزز الاستماع الفعال والمشاركة المباشرة. ويؤكدون أن الاجتماعات الخالية من الهواتف تكون أكثر إنتاجية وفاعلية، مقارنة بالاجتماعات التي يطغى عليها الانشغال بالإشعارات والرسائل.
خسائر بالمليارات بسبب الاجتماعات غير الفعالة
تشير الدراسات إلى أن الشركات تخسر ما يقارب 25 مليون دولار يوميًا نتيجة الاجتماعات غير المثمرة، أي ما يعادل 399 مليار دولار سنويًا. وكشفت أبحاث أجرتها شركة KDM Engineering أن نصف الموظفين يتفقدون هواتفهم أثناء الاجتماعات، بينما يرى 70% من المشاركين أن الحل يكمن في التخلص من الهواتف الذكية داخل بيئة العمل.
الهواتف الجوالة وتشتيت الانتباه
بحسب دراسة من جامعة كاليفورنيا، يحتاج الدماغ إلى نحو 23 دقيقة للتعافي بعد أي انقطاع. وهذا يعني أن أي لمحة سريعة للهاتف قد تشتت الانتباه لبقية الاجتماع. ومع تعقيدات العصر مثل الذكاء الاصطناعي، والتغيرات الاقتصادية، وسلوكيات المستهلكين، يرى خبراء أن معالجة هذه الملفات تتطلب تركيزًا كاملًا بعيدًا عن المشتتات الرقمية.
الانتباه الجزئي المستمر
ليندا ستون، التي عملت سابقًا في آبل ومايكروسوفت، وصفت هذه الظاهرة بمصطلح “الانتباه الجزئي المستمر”، أي حالة البقاء على اتصال دائم دون التعمق في أي مهمة. هذه الظاهرة تؤدي إلى ضعف الاستماع الفعال وتراجع جودة القرارات، ما ينتج عنه “إجماع زائف” بدلًا من ابتكار حلول حقيقية.
مواقف من قادة الأعمال
جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لـ جي بي مورغان تشيس، أكد في تقرير سنوي للمساهمين أنه يشاهد موظفين يتلقون إشعارات ورسائل أثناء الاجتماعات، واعتبر ذلك سلوكًا غير محترم ومضيعة للوقت. ويرى أن التخلص من الهواتف قد يكون شرطًا أساسيًا لرفع كفاءة الاجتماعات وتحقيق نتائج ملموسة.
نحو ثقافة تفاعلية بلا هواتف
يدعو خبراء الإدارة إلى تبني ثقافة تفاعلية جديدة تعتمد على الحضور الذهني الكامل. وكما قالت الفيلسوفة سيمون ويل: “الاهتمام هو أنقى أشكال الكرم”. وعليه، فإن الشركات التي تعتمد سياسة منع الهواتف في الاجتماعات قد تحقق ميزة تنافسية واضحة في بيئة عمل تزداد ازدحامًا بالمشتتات الرقمية.
الخلاصة
في وقت تتزايد فيه المخاوف من تأثير الهواتف على التركيز والإنتاجية، يبدو أن حظر استخدامها في الفصول الدراسية والاجتماعات يمثل خطوة نحو استعادة الانتباه الكامل. ومع حقيقة أن الاجتماعات غير الفعالة تكلف الاقتصاد العالمي 399 مليار دولار سنويًا، فإن الاستثمار في بيئة خالية من المشتتات قد يكون القرار الأذكى للمؤسسات الراغبة في تعزيز أدائها وتحقيق استراتيجياتها بنجاح.