
رحيل زياد الرحباني: خسارة للإبداع اللبناني
غيّب الموت زياد الرحباني في أحد مستشفيات بيروت، نجل الأيقونة فيروز والقامة الفنية عاصي الرحباني، وقد اتفقت الآراء في لبنان على أنّه كان فناناً سابقاً لعصره، ومبدعاً فريداً.
زياد الرحباني، الذي ولد عام 1956 ونشأ في كنف عائلة فنية عريقة، بدأ رحلته الإبداعية في سن السابعة عشرة، لكنه سرعان ما شقّ طريقه الخاص، طريقاً فنياً مستقلاً وناقداً، يعكس نبض الشارع وهموم المواطنين اللبنانيين.
مسيرة فنية متنوعة
تنوعت إبداعاته بين التأليف الموسيقي والعزف المتقن والكتابة المسرحية الهادفة والتمثيل المعبّر، وتعاون مع نخبة من الفنانين، وعلى رأسهم والدته فيروز، حيث لحّن لها روائع مثل "سألوني الناس" و"كيفك إنت" و"صباح ومسا" وغيرها الكثير.
أعمال زياد الرحباني مع والدته شكلت نقلة نوعية في مسيرة فيروز الموسيقية، التي اشتهرت بتقديم المسرحيات والأغاني الكلاسيكية، ومن بين الأغاني التي لحنها زياد نذكر "وحدن بيبقوا" و"يا جبل الشيخ" و"ع هدير البوسطة" و"حبيتك تنسيت النوم" و"حبو بعضهن"، بالإضافة إلى المقدمة الموسيقية الشهيرة لمسرحية "ميس الريم" للأخوين رحباني وفيروز.
المسرح مرآة المجتمع
قدم زياد الرحباني مجموعة من المسرحيات التي تناولت قضايا حساسة مثل الانقسام الطائفي في لبنان والحرب الأهلية التي استمرت من عام 1975 إلى 1990، ومن أبرز هذه المسرحيات "سهرية" (1973)، و"نزل السرور" (1974)، و"بالنسبة لبكرا شو؟" (1978)، و"فيلم أمريكي طويل" (1980)، و"شي فاشل" (1983)، و"بخصوص الكرامة والشعب العنيد" (1993)، و"لولا فسحة الأمل" (1994).
إلى جانب المسرح، قدم حلقات إذاعية متميزة، منها "بعدنا طيبين قول الله" للإذاعة اللبنانية عام 1975 بالتعاون مع المخرج جان شمعون، وبرنامج "العقل زينة" الذي قدمه في عدة حلقات لإذاعة صوت الشعب اللبنانية.
تميز أسلوب الرحباني بمزج فريد بين الموسيقى الشرقية والجاز والكلاسيك، كما شارك بصوته في أداء بعض أغانيه، مثل "بلا ولا شي بحبك" و"قوم فوت نام" و"أنا مش كافر بس الجوع كافر"، بالإضافة إلى بداية ونهاية أغنية "مربى الدلال ربوكي وتعذبوا فيكي يا دلال"، والتي قيل إنها تعكس علاقته بزوجته السابقة.
رثاء من القلب
عبّرت زوجته السابقة، الممثلة كارمن لبس، عن حزنها العميق قائلة على صفحتها: "ليش هيك، كل شي راح، حاسة فضي لبنان".
دعم القضية الفلسطينية
لطالما عبّر زياد الرحباني في لقاءاته عن دعمه للقضية الفلسطينية، وفي إحدى المقابلات الأخيرة، تحدث عن حرب غزة قائلاً: "الفلسطينيين هني كل يوم واقفين، شي ما بيتصدق، هالصبر يللي عندهم إياه، ما بيصح إلا الصحيح، هذا الأمور لو طولت بتصير، مثل ما صار بفيتنام".
كلمات الوداع
نعي الرحباني
نعى الرئيس اللبناني جوزيف عون الفنان الراحل، وكتب على منصة إكس: "زياد الرحباني لم يكن مجرد فنان، بل كان حالة فكرية وثقافية متكاملة، وأكثر، كان ضميرا حيا، وصوتا متمردا على الظلم، ومرآة صادقة للمعذبين والمهمشين، حيث كان يكتب وجع الناس، ويعزف على أوتار الحقيقة، من دون مواربة".
كما نعاه رئيس الوزراء نواف سلام قائلاً: "بغياب زياد الرحباني، يفقد لبنان فنانا مبدعا استثنائيا وصوتا حرا ظل وفيا لقيم العدالة والكرامة، زياد جسد التزاما عميقا بقضايا الإنسان والوطن".
وأضاف: "من على خشبة المسرح، وفي الموسيقى والكلمة، قال زياد ما لم يجرؤ كثيرون على قوله، ولامس آمال اللبنانيين وآلامهم على مدى عقود".
وزير الثقافة غسان سلامة رثاه قائلاً: "كنا نخاف من هذا اليوم لأننا كنا نعلم تفاقم حالته الصحية وتضاؤل رغبته في المعالجة، وتحولت الخطط لمداواته في لبنان أو في الخارج إلى مجرد أفكار بالية لأن زياد لم يعد يجد القدرة على تصور العلاج والعمليات التي يقتضيها، رحم الله رحبانيا مبدعا سنبكيه بينما نردد أغنيات له لن تموت".
رئيس مجلس النواب نبيه بري، في بيان مرفق بصورة تجمعه مع الفنان الراحل، قال: "لبنان من دون "زياد" اللحن حزين والكلمات مكسورة الخاطر، والستارة السوداء تسدل على فصل رحباني إنساني ثقافي وفني ووطني لا يموت".
وأضاف: "أحر التعازي للعظيمة فيروز ولآل الرحباني وكل اللبنانيين برحيل الفنان المبدع زياد الرحباني الذي جسد لبنان الحلو كما أحبه، فنظمه قصيدة وعزفه لحنا وأنشده أغنية، وداعا زياد".