أريفينو : 30 أكتوبر 2025
محمد عادل التاطو.
حذر تقرير تحليلي صادر عن المعهد المغربي لتحليل السياسات، من التغيرات الملحوظة التي شهدها النظام الغذائي لدى المغاربة خلال العقود الأخيرة، نتيجة السياسات الغذائية التي ركزت على دعم المواد الأساسية مثل الدقيق والسكر، بينما أهملت الإنتاج المحلي للبروتينات النباتية.
اختلالات صحية وتغذوية
وذكر المعهد في تقريره حول “السيادة الغذائية في المغرب”، أن هذه السياسات أدت إلى اختلالات مقلقة في الوضع الصحي والتغذوي للسكان، حيث يعاني أكثر من 60 في المائة من المغاربة من زيادة الوزن، وارتفعت معدلات السمنة إلى حوالي 21 في المائة سنة 2022، بعد أن كانت شبه منعدمة في سبعينيات القرن الماضي.
العبء المزدوج لسوء التغذية
وأشار التقرير إلى أن هذا التغيير يعكس ما يسمى بـ“العبء المزدوج لسوء التغذية”، حيث يتزامن ارتفاع استهلاك السعرات الحرارية الفارغة الناتجة عن دعم المواد السكرية والخبز الأبيض، مع تراجع تناول المغذيات الدقيقة مثل اليود، الحديد، وفيتامين “A”.
زيادة استهلاك السكر
بحسب البيانات التي أوردها التقرير، فقد ارتفع استهلاك الفرد من السكر من 35 إلى 48 كيلوغراما بين سنتي 2001 و2022، مما يعادل أربعة أضعاف التوصيات الغذائية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية.
تغير النظام الغذائي التقليدي
ورأى المعهد أن النظام الغذائي المغربي التقليدي، الذي كان يركز على الحبوب الكاملة والبقوليات والزيت والخضراوات، شهد تحولا هيكليا نحو أنماط غذائية غنية بالسكريات والدهون والمنتجات الحيوانية الرخيصة، مما أثر سلبا على صحة المواطنين وعلى توازن نظام الإنتاج الزراعي.
تراجع مقلق في البقوليات
لفت التقرير إلى أن البقوليات، التي كانت تشكل مصدراً أساسياً للبروتين النباتي في المائدة المغربية، تواجه اليوم تراجعًا كبيرًا في الإنتاج والاستهلاك، بسبب ضعف الدعم الموجه لهذا القطاع وتغير العادات الغذائية، فقد انخفض متوسط استهلاك الفرد من البقوليات من 10.7 إلى 3.6 كيلوغرامات سنويًا منذ الثمانينيات، ولم تعد تشكل سوى 3 في المائة من المساحة المزروعة بالمملكة، أي ما يعادل نحو 385 ألف هكتار، يتركز معظمها في مناطق الشمال مثل الشاوية والريف وسيدي قاسم وسلا والزعير.
اعتماد متزايد على استيراد البقوليات
كما أشار التقرير إلى أن المغرب استورد في عام 2021 حوالي 135.5 ألف طن من البقوليات، نصفها تقريبًا من العدس القادم من كندا وتركيا، مما يُعتبر مؤشراً على فقدان البلاد جزءاً من سيادتها الغذائية في مجال يحتاج تاريخياً إلى الإنتاج المحلي.
انتقال إلى البروتين الحيواني
بالمقابل، أوضح التقرير أن السياسات العامة شجعت، بشكل غير مباشر، على استبدال البروتين النباتي بالبروتين الحيواني، خاصة لحوم الدواجن الرخيصة، إذ شهد إنتاجها ارتفاعاً هائلاً من 70 ألف طن سنة 1980 إلى 734 ألف طن في عام 2024، بينما قفز إنتاج البيض من 666 مليون وحدة إلى 6.4 مليار وحدة خلال الفترة نفسها.
تبعية الأسواق الخارجية
ومع ذلك، حذر التقرير من أن هذا “الاكتفاء الذاتي الظاهري” يخفي تبعية كبيرة للأسواق الخارجية، إذ يعتمد إنتاج لحوم الدواجن على الأعلاف المستوردة، خصوصًا الذرة وفول الصويا، من دول بعيدة مثل الأرجنتين والبرازيل والولايات المتحدة، مما يزيد من البصمة الكربونية للقطاع ويضعف استقلال القرار الغذائي للمغرب.
إعادة الاعتبار للبقوليات
دعا التقرير إلى إعادة الاعتبار للبقوليات المغربية وإدماجها مجددًا في النظام الغذائي الوطني، من خلال دعم الإنتاج المحلي وتشجيع الاستهلاك عبر برامج التحسيس والوصفات التقليدية، مثل “الحريرة” و”العدس” و”الفول”، مؤكدًا أن هذه الأطباق، التي باتت تُصنف اجتماعيًا على أنها “طعام الفقراء”، تحمل في الواقع قيمة غذائية عالية وتُمثل خيارًا مستدامًا لتحسين صحة السكان وتعزيز السيادة الغذائية.
استراتيجية وطنية شاملة
وشدد التقرير على أن تحقيق السيادة الغذائية لا يتوقف فقط على تأمين كميات الغذاء المستهلكة، بل يجب أيضًا ضمان جودة الغذاء ومصدره، مشيرًا إلى ضرورة وضع استراتيجية وطنية شاملة تعيد التوازن إلى المنظومة الغذائية، وتربط بين الصحة والسيادة والتنمية الفلاحية.
