«توقعات متفائلة» هل يواصل الذهب صعوده التاريخي نحو مستويات قياسية جديدة في 2025؟

شهدت أسعار الذهب ارتفاعًا ملحوظًا خلال العام الحالي، مسجلة مكاسب تقدر بنحو 30% منذ بداية عام 2025، وبلغت ذروتها عند مستوى 3500 دولار للأونصة في شهر أبريل، متخطية بذلك توقعات العديد من خبراء السوق، وفي ظل استمرار حالة عدم اليقين السياسي وتصاعد التوترات الجيوسياسية، تثار تساؤلات حول المسارات المستقبلية لأسعار الذهب خلال هذا العام وما يليه.

يرى العديد من المحللين أن التحول الهيكلي في مستويات الطلب على تداول الذهب مباشر، بالإضافة إلى استمرار العوامل الجيوسياسية، قد أثر بشكل كبير على سعره، وساهمت هذه العوامل مجتمعة في دفعه إلى مستويات قياسية، ويتوقع الخبراء أن يحافظ الذهب على زخمه الصعودي، وأن يستمر في تسجيل مستويات قياسية جديدة، خاصة مع تزايد احتمالات الركود واستمرار المخاطر المرتبطة بالتجارة العالمية والتعريفات الجمركية.

العوامل المحركة للذهب

سجل المعدن النفيس سلسلة من المستويات القياسية خلال عام 2025، متجاوزًا مستوى 2900 دولار للمرة الأولى في شهر فبراير، وذلك في ظل تفاعل المستثمرين مع التقلبات الناتجة عن فرض رسوم جمركية أمريكية وتزايد المخاطر الجيوسياسية، واستمرت الأسعار في الارتفاع لتصل إلى ذروتها عند مستوى 3500 دولار في شهر أبريل، مدفوعة بسياسة تجارية أمريكية اتسمت بالغموض.

كما عزز ضعف الدولار الأمريكي، إلى جانب انخفاض أسعار الفائدة، من جاذبية الذهب باعتباره من الأصول غير المدرة للعائد، ويعد عدم الاستقرار الاقتصادي والجيوسياسي من أبرز العوامل التي دفعت المستثمرين نحو الذهب، لما يتمتع به من دور كملاذ آمن وأداة موثوقة للحفاظ على القيمة، وبفضل ارتباطه المحدود بفئات الأصول الأخرى، يمكن أن يشكل الذهب وسيلة تحوط فعالة خلال فترات اضطراب الأسواق أو تصاعد التوترات الدولية.

ومع تعدد وتنوع العوامل المؤثرة في الطلب على الذهب في الوقت الحالي، فقد أصبح يُنظر إليه مؤخرًا كأداة للتحوط من تراجع القوة الشرائية الناتج عن التضخم أو انخفاض قيمة العملات، هذا بالإضافة إلى دوره التقليدي كمنافس للأدوات الاستثمارية ذات العائد المنخفض.

وفي هذا السياق، يظل الذهب أحد أفضل وسائل التحوط في مواجهة التحديات الفريدة التي تشمل الركود التضخمي والانكماش الاقتصادي وتراجع قيمة العملة، إلى جانب المخاطر المتعلقة بالسياسة الأمريكية التي قد تؤثر في الأسواق خلال عامي 2025 و2026.

المشترون الرئيسيون للذهب في عام 2025

بعد المكاسب الكبيرة التي حققها الذهب، والتي بلغت نحو 30% تقريبًا، يطرح بعض المستثمرين تساؤلات حول هوية المشترين الرئيسيين للمعدن النفيس خلال عام 2025، خاصة في ظل استقرار الأسعار عند مستويات مرتفعة.

البنوك المركزية

تشير التوقعات إلى أن البنوك المركزية ستواصل تسجيل مستويات مرتفعة من مشتريات الذهب لتصل إلى نحو 900 طن خلال عام 2025، مدفوعة بالظروف الاقتصادية الكلية، إلى جانب الزيادة المتوقعة في حيازات المستثمرين، خاصة عبر الصناديق المتداولة في البورصة (ETFs) والصين.
وعلى الرغم من تخطي مشتريات البنوك المركزية للمعدن الأصفر حاجز 1000 طن لثلاثة أعوام متتالية، إلا أن بنك “جي بي مورغان” يرى أن الاتجاه الهيكلي نحو تعزيز الاحتياطيات الذهبية سيستمر خلال عامي 2025 و 2026.
وعلى الرغم من أن وتيرة التنويع بعيدًا عن الدولار الأمريكي لا تزال معتدلة، إلا أنها شهدت تسارعًا ملحوظًا في الأعوام الأخيرة، وذلك استنادًا إلى أحدث بيانات “COFER” التي صدرت عن صندوق النقد الدولي، فبينما زادت حصة الدولار الأمريكي بمعدل طفيف في الربع الرابع من العام الماضي، إلا أنها أغلقت العام عند نحو 57.8% مسجلة تراجعًا بنحو 0.62% على أساس سنوي.
وفي ظل استمرار عدم اليقين والتغيير الملحوظ في السياسات الاقتصادية والتجارية للولايات المتحدة، إلى جانب تقلب التحالفات الجيوسياسية، نرجح أن يستمر الاتجاه نحو التنويع عبر الذهب، ليبلغ حجم المشتريات للبنوك المركزية نحو 900 طن خلال عام 2025.
وتقدر حيازات البنوك المركزية عالميًا من الذهب بنحو 36200 طن، وهو ما يمثل حوالي 20% من إجمالي الاحتياطيات الرسمية مقارنة بنسبة 15% تقريبًا في نهاية عام 2023، وذلك وفقًا لصندوق النقد الدولي.
لا تزال كل من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا تحتفظ بنحو 16400 طن، وهو ما يمثل نحو نصف إجمالي احتياطيات الذهب الرسمية المعلنة عالميًا، وتستحوذ الولايات المتحدة على ما يقارب ربع هذه الاحتياطيات، وتشكل حصة الذهب أكثر من 70% من إجمالي الاحتياطيات لدى كل من هذه الدول.
خلال العام الماضي برزت دول مثل بولندا والهند وتركيا والصين وأذربيجان والتشيك والعراق في قائمة المشترين المعلنين للذهب، مع تسجيل كل منها مشتريات تجاوزت 20 طنًا، يرى المحللون أن البنوك المركزية ستستمر في تعزيز احتياطاتها الذهبية، حيث سيسهم عدم اليقين السياسي المتزايد في استمرار هذا الزخم خلال عام 2025.

المستثمرون

لم تكن البنوك المركزية وحدها من زادت من نسب حيازاتها للذهب في العامين الماضيين، إذ شهدت أسواق الذهب أيضًا ارتفاعًا ملحوظًا في مساهمة المستثمرين.
ففي سوق العقود الآجلة، ما تزال مراكز المستثمرين طويلة الأجل (التي تعكس التوقعات بارتفاع الأسعار) نشطة، وقد سجلت العقود الآجلة غير التجارية وخيارات الشراء طويلة الأجل في بورصة كومكس مستوى قياسيًا جديدًا بالقيمة الحقيقية خلال عام 2024.
ورغم أن العقود الآجلة تعد من أسرع أدوات الاستثمار من حيث تدفقات الأموال، إلا أنها لا تمثل سوى نسبة صغيرة من إجمالي حيازات الذهب لدى المستثمرين، والتي تشمل أيضًا صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) والسبائك والعملات الذهبية الفعلية.
وقد ارتفعت الحيازات الإجمالية من الذهب (بما يشمل السبائك والصناديق المتداولة في البورصة والعملات المعدنية وصافي العقود الآجلة غير التجارية في بورصة كومكس) بنحو 3% على أساس سنوي في العام الماضي لتصل إلى نحو 49400 طن، ويشكل المستثمرون الأفراد الذين يحتفظون بما يقرب من 45400 طن من العملات المعدنية والسبائك الجزء الأكبر من هذه الحيازات، وفقًا لمجلس الذهب العالمي.
كما شهدت صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب (ETFs) تدفقات قوية، بلغت نحو 310 أطنان منذ بداية العام، ما يعادل حوالي 10% من إجمالي الحيازات العالمية، ويعزى هذا النمو في المقام الأول إلى زيادة بنسبة 9.5% في الحيازات الأمريكية وزيادة لافتة بنسبة 70% في صناديق الاستثمار المتداولة في الصين.