الشهرة قد تكون واجهة براقة وصورة لامعة، ولكن الأثر الحقيقي غالبًا ما يكمن في الخفاء، ففي كل ظهور لـ سام ألتمان على الشاشات، يتم تقديمه كرمز للابتكار في “أوبن إيه آي“، وباعتباره بطل التكنولوجيا الذي يقود المستقبل، ومع ذلك، خلف هذه الصورة الإعلامية المتألقة، يقف قادة حقيقيون يدفعون بقدرات الذكاء الاصطناعي إلى آفاق أبعد.
مارك تشين وياكوب باخوكي هما اسمان قد لا يترددان كثيرًا في وسائل الإعلام، لكنهما يلعبان دورًا حاسمًا في توجيه الأبحاث وصياغة مستقبل الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، وهما يساهمان بشكل كبير في بناء البنية التحتية الفكرية والتقنية التي ستحدد مسار هذا المجال، بينما يظهر ألتمان كواجهة عامة للشركة، يمثل تشين وباخوكي العقول الاستراتيجية والقوة الدافعة التي تعمل بصمت لتغيير قواعد اللعبة، وتقود “أوبن إيه آي” نحو مستويات جديدة من الابتكار والاكتشاف.
### من هما تشين وباخوكي؟
مارك تشين يشغل منصب الرئيس التنفيذي للأبحاث في “أوبن إيه آي”، حيث يقود تطوير ابتكارات رائدة مثل “دال إي” (DALL-E) و”كودكس” (Codex) المستخدم في “غيت هاب كوبايلوت” (GitHub Copilot)، بالإضافة إلى تحسين ميزات الصور في “جي بي تي -4” (GPT-4).
أما ياكوب باخوكي فهو كبير العلماء في الشركة، ويقف وراء تطوير نماذج استدلال متقدمة مثل “أو 1″ (o1) و”أو 3” (o3)، المصممة خصيصًا لحل المشكلات المعقدة في مجالات الرياضيات والعلوم والبرمجة.
يقود تشين وباخوكي معًا الجهود المبذولة لجعل نماذج “أوبن إيه آي” أكثر ذكاءً وسرعة وفائدة، ويتجلى تأثيرهما في كل تطور يشهده الذكاء الاصطناعي اليوم، على الرغم من أن اسميهما قد لا يتصدران عناوين الأخبار دائمًا.
### لماذا يظهر تشين وباخوكي الآن أمام الأضواء؟
مع إطلاق “جي بي تي -5” (GPT-5) في السابع من أغسطس/آب 2025، تزايد الاهتمام بإمكانيات هذا النموذج الجديد، الذي وصفه ألتمان بأنه أشبه بوجود خبير بدرجة دكتوراه تحت الطلب.
هذا الإطلاق لا يعزز مكانة “أوبن إيه آي” فحسب، بل يكشف أيضًا عن حجم التقدم الذي حققته الشركة بفضل القيادة الفكرية الدقيقة التي ساهم فيها تشين وباخوكي بشكل كبير من وراء الكواليس.
حتى قبل إطلاق “جي بي تي -5″، كانت نماذج “أوبن إيه آي” الحالية تحدث تأثيرًا ملحوظًا، حيث حقق أحدها المركز الثاني في نهائيات “آت كودر وورلد تور” (AtCoder World Tour)، وهي واحدة من أبرز مسابقات البرمجة على مستوى العالم.
وفي الوقت نفسه، حصل نموذج آخر على درجة مماثلة للميدالية الذهبية في الأولمبياد الدولي للرياضيات، ليعادل بذلك إنجازًا سابقًا حققه الذكاء الاصطناعي من “غوغل ديب مايند” (Google DeepMind)، هذه النتائج ليست مجرد أرقام، بل هي دليل قاطع على تفوق الذكاء الاصطناعي في التعامل مع المجالات المعقدة.
### لماذا يركز القادة على الرياضيات والبرمجة؟
قد يتساءل البعض عن سبب تركيز قادة الأبحاث في “أوبن إيه آي” على مجالي الرياضيات والبرمجة تحديدًا، فبالنسبة لتشين وباخوكي، يمثل هذان المجالان القاعدة الأساسية للذكاء الحقيقي، لأنهما يجمعان بين الإبداع والمنطق والقدرة على حل المشكلات الواقعية، وهي العناصر الجوهرية التي يحتاجها أي نظام ذكي.
لكن الهدف هنا ليس استبدال البشر، بل تطوير أدوات تعمل على توسيع القدرات الإنسانية، وخاصة في مجالات البحث العلمي وإنتاج المعرفة، وبعبارة أخرى، لا يهدف الذكاء الاصطناعي إلى منافسة الإنسان، بل إلى تعزيز قدراته وإطلاق العنان لإمكاناته في المجالات التي كانت في السابق صعبة الوصول إليها.
### هل لا تزال السلامة أولوية في “أوبن إيه آي”؟
في الماضي، أنشأت “أوبن إيه آي” فريقًا متخصصًا يُعرف باسم “فريق المحاذاة الفائقة” (superalignment)، بقيادة إيليا سوتسكيفر، وكان الهدف من هذا الفريق هو التعامل مع المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي فائق الذكاء، ومع ذلك، تم حل هذا الفريق مؤخرًا، وغادر عدد من كبار الباحثين، مشيرين إلى أن التركيز قد تحول من السلامة إلى تسريع وتيرة إطلاق المنتجات.
ومع ذلك، يرى تشين وباخوكي أن الصورة أكثر تعقيدًا، حيث أن المحاذاة لم تختفِ تمامًا، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من كل جهد بحثي، وبالنسبة لهما، لم تعد المخاطر مجرد سيناريوهات نظرية مستقبلية، بل أصبحت تحديات واقعية يجب مواجهتها في الوقت الحاضر، لذلك، فإن النماذج التي يعملان على تطويرها لا يجب أن تكون أكثر ذكاءً فحسب، بل يجب أن تكون أيضًا آمنة وموثوقة وعملية.
لقد أصبح من الواضح أن “أوبن إيه آي” لم تعد مجرد مختبر للأبحاث، بل تحولت إلى قوة مؤثرة في حياة ملايين المستخدمين أسبوعيًا، من خلال أدوات مثل “شات جي بي تي فويس” (ChatGPT Voice) و”أوبريتور” (Operator)، مما يجعل الذكاء الاصطناعي متاحًا وملموسًا بشكل مباشر.
بالنسبة لتشين وباخوكي، لا يقتصر الإنجاز على تطوير النماذج فحسب، بل يشمل أيضًا القدرة على تحقيق التوازن بين الرؤى البحثية طويلة الأجل وتوفير أدوات عملية يمكن للناس استخدامها في حياتهم اليومية.
هذا التوازن هو ما يميز القيادة الحقيقية في عالم سريع التغير، حيث يظل العمل الهادئ من وراء الكواليس هو الذي يحدد مستقبل الصناعة أكثر من الأضواء الإعلامية.