«مخاوف تلوح في الأفق» ضغوط الإنفاق على الذكاء الاصطناعي تهز عرش وول ستريت

توقفت مسيرة صعود الأسهم في “وول ستريت” مؤقتًا، بسبب المخاوف من قدرة استثمارات الذكاء الاصطناعي الضخمة على تحقيق عوائد حقيقية، مما أدى إلى انخفاض أسهم شركة “ميتا بلاتفورمز” بنسبة 11%، وفي المقابل، ارتفعت عوائد السندات والدولار بعد أن قلل مجلس الاحتياطي الفيدرالي من توقعات خفض أسعار الفائدة.

تسببت موجة بيع في أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى في هبوط مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 1%، وذلك بعد مكاسب كبيرة بلغت 17 تريليون دولار منذ أدنى مستوياته في أبريل، وعلى الرغم من الهدنة التجارية بين الولايات المتحدة والصين، إلا أن الأسواق كانت قد استوعبت معظم تفاصيلها بالفعل، وفي الوقت نفسه، ظهرت إشارة “هيندنبرغ أومن” في الأسهم، وهو مؤشر فني يشير إلى فقدان السوق زخمه وسط ضعف في حركة التداول.

هذه التطورات أعطت المستثمرين فرصة لالتقاط الأنفاس، بعد التحذيرات المتكررة بشأن ارتفاع التقييمات ومحدودية المشاركة في الصعود الأخير، الذي شهد تفوقًا واضحًا لأسهم الشركات العملاقة، ويقول مات مالي من شركة “ميلر تاباك”: “هذا لا يعني أن فقاعة الذكاء الاصطناعي ستنفجر أو أننا على وشك انعكاس كبير في السوق، لكنه يزيد من احتمال حدوث تصحيح قصير الأمد”.

تُعتبر قصة الذكاء الاصطناعي هي الركيزة الأساسية للسوق الصاعدة الحالية، وأي تحديث يتعلق بالإنفاق أو بتطور التكنولوجيا يمكن أن يؤثر بسرعة على معنويات المستثمرين صعودًا أو هبوطًا.

بإضافة إلى ما سبق، يمكن القول أن السوق يمر بمرحلة تقييم المخاطر، حيث يحاول المستثمرون فهم التداعيات المحتملة للاستثمارات الضخمة في الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى ذلك، يراقبون عن كثب قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي وتطورات الوضع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، كل هذه العوامل مجتمعة تخلق حالة من عدم اليقين، مما قد يؤدي إلى تقلبات في السوق على المدى القصير.

نتائج متباينة لشركات التكنولوجيا الكبرى

في أسبوع حافل بالأخبار في قطاع التكنولوجيا، باعت “ميتا” سندات بقيمة 30 مليار دولار، وهو أكبر إصدار من نوعه هذا العام وسط طلبات قياسية، بينما تراجع سهم “مايكروسوفت” بسبب نتائج أقل من التوقعات، في المقابل، ارتفع سهم “ألفابت” بعد تجاوز مبيعاتها التقديرات، أما “أمازون دوت كوم” فقد سجلت وحدة الحوسبة السحابية لديها معدل نمو قوي.

انخفض مؤشر شركات التكنولوجيا العملاقة بنسبة 2.7%، وتراجعت أسهم “إنفيديا” بنسبة 2% بعد تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنه لم يناقش مع نظيره الصيني شي جين بينغ مسألة الموافقة على بيع رقائق “بلاكويل” إلى الصين، وارتفع العائد على سندات الخزانة لأجل عشر سنوات نقطة أساس واحدة إلى 4.09%، بينما بلغ الدولار أعلى مستوى له في ثلاثة أشهر، وتراجعت عملة “بتكوين”.

نفقات ضخمة على الذكاء الاصطناعي تثير قلق المستثمرين

تراهن أكبر شركات التكنولوجيا في العالم على مستقبل يعتمد على الذكاء الاصطناعي من خلال مراكز بيانات ضخمة مليئة بالخوادم، ومع ذلك، أصبحت التكاليف الهائلة لهذه الاستثمارات أكثر وضوحًا، مما يختبر أعصاب المستثمرين في “وول ستريت”، وخلال الربع الماضي، أنفقت “ألفابت” و”ميتا” و”مايكروسوفت” ما يقارب 78 مليار دولار على النفقات الرأسمالية، بزيادة قدرها 89% مقارنة بالعام السابق.

يقول ديفيد ترينر من شركة “نيو كونستراكتس” إن “النتيجة الوحيدة التي تهم المستثمرين من أرباح شركات التكنولوجيا الكبرى هي الدليل على الشركة التي يمكنها البقاء في سباق الذكاء الاصطناعي لأطول فترة”، وأضاف: “لا يمكن لأي من هذه الشركات الاستمرار في هذا الإنفاق الضخم إلى ما لا نهاية، لذا ستكون الشركات التي تنجح أولاً في تحقيق أرباح من الذكاء الاصطناعي هي الفائزة”.

على الرغم من وجود “ما يكفي من الأخبار الجيدة” في أسعار الأسهم بفضل الحماس للذكاء الاصطناعي، إلا أن ترينر يتوقع تراجعًا في المستقبل، بينما قالت أولريكه هوفمان-بورشارد من إدارة الثروات العالمية في “يو بي إس”: “نحافظ على قناعتنا بأن الأسهم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي ستواصل دفع أداء الأسواق، ونرى أن المستثمرين الذين لم يخصصوا حصة كافية لهذا القطاع يجب أن يزيدوا انكشافهم عليه عبر نهج متنوع”.

اتفاق ترمب وشي يهدئ التوتر التجاري

في سياق منفصل، اتفق الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الصيني شي جين بينغ على تمديد الهدنة الجمركية، وتخفيف القيود على الصادرات، وتقليص الحواجز التجارية الأخرى، وذلك خلال قمة وُصفت بأنها تاريخية، وقد يساهم هذا الاتفاق في استقرار العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم بعد شهور من التوتر، ومن المتوقع أن ينهي هذا الاتفاق، على الأقل في الوقت الحالي، أشهراً من الحرب التجارية، حيث تبادل فيها البلدان التهديدات بفرض رسوم وضوابط تصدير على منتجات بعضهما البعض، وهو ما كان يهدد سلاسل التوريد العالمية ويضر بالاقتصاد العالمي، ومع ذلك، لا يصل الاتفاق إلى مستوى صفقة شاملة تعالج القضايا الجوهرية في التنافس الاقتصادي بين البلدين.

تخفيف الرسوم ورفع القيود التكنولوجية

قال بول كريستوفر من “معهد ويلز فارغو للاستثمار”: “أظهر الاتفاق التجاري المرتقب أن الجانبين مستعدان للابتعاد عن التصعيد الأخير، لكن ليس للتخلي عن المنافسة طويلة الأمد”، وأضاف أن الصفقة خففت الرسوم الجمركية بالقدر الكافي لمساعدة الصين على البقاء قادرة على المنافسة مع دول آسيوية أخرى في التجارة التصنيعية، بينما استفادت الولايات المتحدة من رفع الحظر الصيني على المعادن النادرة وفول الصويا الأميركي، وتابع: “ربما الجزء الأهم في الاتفاق هو أن الولايات المتحدة تراجعت عن فرض مزيد من القيود التكنولوجية على شركات التكنولوجيا الصينية”، مشيرًا إلى أن ذلك “يضع ضغوطًا على شركات التكنولوجيا الأميركية للبقاء في الصدارة، وعلى صانعي السياسات الأميركيين لمواصلة البحث عن بدائل لموردي المعادن النادرة”.

الفيدرالي يقلل آمال خفض الفائدة

يرى فؤاد رزاق زاده من “فوركس دوت كوم” أن الأسواق كانت تتوقع إلى حد كبير هذا الاتفاق، وهو ما يفسر رد الفعل المحدود نسبيًا، مضيفًا: “مع ذلك، فإن انحسار أحد أهم عوامل عدم اليقين الجيوسياسي يجب أن يكون علامة ترحيب للأصول ذات المخاطر”، وأضاف: “ما لم تكن هناك مفاجأة سلبية كبيرة من شركات التكنولوجيا العملاقة المتبقية لم تُعلن عنها بعد، فقد يكون للأسهم مجال أكبر للارتفاع”، مشيرًا إلى أن المعنويات قد تباطأت قليلاً منذ أن وصلت الأسهم إلى مستويات قياسية بفضل حماس الذكاء الاصطناعي، لكن الانخفاض محدود في الوقت الحالي.

في غضون ذلك، واصل المتداولون استيعاب التحذير الصريح من رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، الذي دعا المستثمرين إلى كبح توقعاتهم بشأن خفض الفائدة في ديسمبر، في ظل انقسام متزايد بين صانعي السياسات الأميركيين حول توقعات الوظائف والتضخم، وجاءت تصريحاته بعد أن صوت المسؤولون بأغلبية 10 مقابل 2 لخفض النطاق المستهدف لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار ربع نقطة مئوية يوم الأربعاء، وهو ثاني خفض متتالٍ، ولكن للمرة الأولى منذ ست سنوات سُجِّلَت اعتراضات في الاتجاهين، إذ دعا أحد الأعضاء إلى خفض أكبر، فيما فضَّل آخر الإبقاء على المعدلات من دون تغيير.

وقال أندرو برينر من “نات ألاينس سيكيوريتيز”: “كان القرار يحمل نبرة متشددة لأن المعتدلين بدأوا بالمقاومة، وإذا لم يُقدم الفيدرالي على الخفض في ديسمبر، فسيتم رفع سقف التوظيف المتوقع، ونتوقع عدد أقل من الخفض العام المقبل، بغض النظر عمَّن يتولى رئاسة المجلس”.

نظرة الأسواق للمرحلة المقبلة

من جانبه، قال كريس فاسيانو من “كومونويلث فايننشال نتوورك”: “يُترك المستثمرون الآن لقراءة المؤشرات والاستماع إلى تصريحات مسؤولي الفيدرالي المقبلة لتحديد ما إذا كانت أسعار الفائدة ستُخفض في اجتماع ديسمبر المقبل”، ويرى تود مورغان من “بيل إير إنفستمنت أدفايزرز” أن غياب الوضوح في المدى القصير قد يؤدي إلى توقف أو تصحيح طفيف في السوق بعد شهور من المكاسب القوية خلال فترة عادة ما تتسم بالتقلب، لكنه أضاف: “لا أتوقع أن يكون أي تراجع كبيرًا، فبمجرد أن يستوعب المستثمرون رسائل الفيدرالي وتنجلي حالة عدم اليقين، أتوقع أن تتجه الأسواق للصعود حتى نهاية العام وبداية العام المقبل”.

وأشار فاسيانو إلى أن أرباح الشركات لا تزال تشكل عاملاً إيجابياً داعمًا للأسواق، موضحًا أن أرباح مؤشر “إس آند بي 500” تواصل تجاوز التوقعات، مما قد يدفع تقديرات أرباح عامي 2025 و2026 إلى الارتفاع، ويهيئ خلفية قوية للمستثمرين.

موسم إيجابي للأسهم الأميركية رغم الضبابية

يتمتع المستثمرون المتفائلون بدعم تاريخي، إذ يُعد شهر نوفمبر بداية أفضل ستة أشهر من العام بالنسبة لأسهم الولايات المتحدة، غير أن التساؤل المطروح هو ما إذا كانت مكاسب نهاية العام قد تم تسعيرها مسبقًا بعد واحدة من أفضل فترات الأداء لمؤشر “إس آند بي 500” منذ خمسينيات القرن الماضي، وقال فاسيانو: “مع استمرار الضبابية بشأن سياسة الفيدرالي مستقبلاً وإمكانية إغلاق الحكومة، يبقى احتمال التقلب قائمًا، لكن العديد من الشركات عبر قطاعات واسعة من الاقتصاد ما زالت تسجِّل أرباحًا قوية”.

فيما يلي جدول يلخص أداء بعض الشركات المذكورة:

الشركة الأداء/النتيجة
ميتا بلاتفورمز تراجعت أسهمها بنسبة 11%، باعت سندات بقيمة 30 مليار دولار.
مايكروسوفت تراجع سهمها بسبب نتائج أقل من التوقعات.
ألفابت ارتفع سهمها بعد تجاوز مبيعاتها التقديرات، أنفقت مع ميتا ومايكروسوفت حوالي 78 مليار دولار على النفقات الرأسمالية.
أمازون دوت كوم سجلت وحدة الحوسبة السحابية لديها معدل نمو قوي.
إنفيديا تراجعت أسهمها بنسبة 2% بعد تصريحات ترمب.