«ضربة رقمية».. كيف أثرت الحرب الإسرائيلية وانقطاع الإنترنت في إيران على تعدين البيتكوين؟

«ضربة رقمية».. كيف أثرت الحرب الإسرائيلية وانقطاع الإنترنت في إيران على تعدين البيتكوين؟

بعد سنوات من جهود إيران لترشيد استهلاك الكهرباء، سعيًا للتغلب على النقص المتزايد في قطاع الطاقة، كشفت أزمة انقطاع الإنترنت الشامل خلال حرب يونيو/حزيران التي استمرت 12 يومًا وما تلاها من فترة، عن انخفاض ملحوظ في معدل تعدين البيتكوين عالميًا، حيث أشارت تقارير إعلامية إلى تراجع يتراوح بين 5% و12% على مستوى العالم، مما يسلط الضوء على تأثير هذه الأزمات على الاقتصاد الرقمي، ويكشف حجم الاعتماد على الطاقة وشبكات الاتصال في هذا المجال

تزامنًا مع انقطاع الإنترنت، نشرت وسائل الإعلام الفارسية تقارير تفيد بتحسن وضع الكهرباء للمنازل نتيجة لانخفاض الاستهلاك، وأعلن محمد داد، المسؤول في شركة إنتاج وتوزيع الكهرباء، أن حجب الإنترنت أدى إلى توفير حوالي 2400 ميغاواط بفضل توقف 900 ألف جهاز تعدين غير مرخص



مصدر الصورة
بعض المعدنين يستخدمون خدمة ستارلينك للإنترنت بشكل غير قانوني (غيتي)

أكد مسؤول إيراني، في تصريحات نقلتها الصحافة المحلية، أن هذا التوفير يعادل 15% من العجز في الطاقة الكهربائية، وأشار إلى لجوء بعض المعدنين إلى استخدام “ستارلينك” للإنترنت بشكل غير قانوني، وهو ما اعتبره خبراء في طهران إقرارًا بأن هذه المجموعة، بالإضافة إلى المعدنين المرخصين، لم تتأثر بانقطاع الإنترنت

أوضح وزير الطاقة الإيراني، عباس علي آبادي، أن تعدين البيتكوين انخفض بنسبة 5% عالميًا، مما يدل على أن 5% من الكهرباء المنتجة في إيران تذهب إلى هذا النشاط، وأن معظم المعدنين يعملون دون تراخيص قانونية

أسباب الإقبال

يرى العاملون في مجال تعدين العملات الرقمية في إيران أن الإقبال على هذا النشاط، وخاصةً على البيتكوين، يعود إلى عدة عوامل متراكمة، أبرزها الجدوى الاقتصادية، وإمكانية التحايل على العقوبات الأمريكية في المعاملات المالية، بالإضافة إلى الحفاظ على قيمة المدخرات من التضخم المتزايد عبر تحويلها إلى عملات رقمية

أقرأ كمان:  «تعديلات جذرية» .. الكشف عن تفاصيل التقويم الدراسي الجديد وبداية الدراسة 1447 في السعودية

يقول فرهاد (اسم مستعار)، صاحب ورشة لتصنيع قطع غيار السيارات بالقرب من طهران، إنه وجد في تعدين البيتكوين وسيلة لتعويض خسائر ورشته، التي أصبحت غير مربحة بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وأضاف أن تعدين العملات المشفرة يوفر أرباحًا بالعملة الصعبة، دون الحاجة إلى مجهود كبير، في ظل التدهور المستمر للعملة الإيرانية

في حديثه للجزيرة نت، يرى فرهاد أن دعم الحكومة لأسعار الكهرباء، خاصة في القطاعين الزراعي والصناعي، يشجع على التعدين، موضحًا أن تكلفة إنتاج العملات المشفرة في إيران منخفضة جدًا مقارنة بالدول الأخرى بسبب رخص الكهرباء، ويشير إلى أن بعض المؤسسات الرسمية والدينية والمناطق النائية تحصل على الكهرباء مجانًا تقريبًا



مصدر الصورة
غالبية المعدنين في إيران يعتمدون على الشبكة العنكبوتية العالمية لربط الأجهزة بالشبكات الدولية (غيتي)

أوضح فرهاد أن معظم المعدنين في إيران يعتمدون على الإنترنت العالمي لربط أجهزتهم بالشبكات الدولية، مما يجعل انقطاع الإنترنت عائقًا كبيرًا أمام عملهم، وأكد أنه تضرر من الحجب الشامل والقيود المتكررة على الإنترنت، وأن غياب القوانين المنظمة لهذا القطاع يجعله عرضة للخطر في حال حدوث أي تطورات خارجية أو احتجاجات داخلية

أضاف فرهاد أن الحصول على تراخيص التعدين في إيران مقيد بشروط، ويقتصر على المزارع الكبيرة التابعة لمؤسسات رسمية، مما يجعل إنشاء مزارع صغيرة داخل المنشآت الصناعية والزراعية أمرًا مربحًا، ولكنه محفوف بالمخاطر بسبب حملات مصادرة الأجهزة وفرض الغرامات بحجة الإضرار بقطاع الطاقة

أرباح بالعملة الصعبة

يعتقد الباحث الاقتصادي، معين صادقيان، أن التقارير حول انخفاض “الهاش ريت”، الذي يقيس قوة التعدين في شبكة العملات الرقمية، “قريبة من الواقع إن لم تكن دقيقة”، ويؤكد أن تراجع التعدين بنسبة 5% بسبب انقطاع الإنترنت، وليس بسبب توقف المزارع المرخصة، يشير إلى أن إيران قد لا تمتلك حصة كبيرة جدًا من سوق التعدين العالمي، وأن شبكة تعدين البيتكوين ليست بالضخامة التي نتصورها

أقرأ كمان:  «خطوة عملاقة نحو التوسع الإقليمي» أبل تفتتح متجرها الإلكتروني في السعودية مع دعم كامل باللغة العربية

يوضح صادقيان، في حديثه للجزيرة نت، أن عملية التعدين تتطلب الكهرباء لتشغيل الأجهزة والاتصال بالإنترنت للتحقق من صحة حل المعادلات المعقدة، ويضيف أنه بفضل رخص أسعار الكهرباء والإنترنت في إيران، يحقق المعدنون أرباحًا تصل إلى 165 دولارًا شهريًا لكل جهاز، علمًا بأن سعر الجهاز الحديث لا يتجاوز 1100 دولار تقريبًا

أشار صادقيان إلى أن أكثر من 90% من مزارع تعدين البيتكوين في إيران تعمل بدون ترخيص، لأن الحصول على التراخيص الرسمية يجبر المعدنين على شراء الكهرباء بسعر التصدير، وهو أغلى من سعر الاستهلاك في الصناعة والزراعة، ويوضح أن أسعار الكهرباء للمنازل تجعل التعدين غير مجدٍ اقتصاديًا

يشير صادقيان إلى أن قطاع الطاقة الإيراني تأثر بالتعدين غير القانوني في السنوات الأخيرة، لكن تأثير هذه الظاهرة لا يتجاوز 15% من عجز الطاقة في البلاد، ويدعو السلطات إلى تحرير أسعار الطاقة للحد من انتشار مزارع التعدين غير المرخصة



مصدر الصورة
المُعَدنون يتوجهون إلى استخدام إنترنت الأقمار الصناعية للالتفاف على القيود التي تفرضها السلطات الإيرانية على الشبكة العنكبوتية بين الفينة والأخرى (رويترز)

في ظل سماح الحكومة الإيرانية بتعدين العملات المشفرة مع فرض رسوم أعلى على الكهرباء، يفضل العديد من المعدنين العمل في الخفاء، ويبقى هؤلاء المعدنون عالقين بين خطر انقطاع الإنترنت بسبب الصراعات أو الاحتجاجات، وحملات التفتيش التي تستهدف مصادرة الأجهزة وفرض الغرامات بتهمة استخدام الكهرباء المدعومة لأغراض غير مرخصة

على الرغم من المخاطر الأمنية والاقتصادية المرتبطة بالتعدين غير القانوني، يتجه المعدنون إلى استخدام الإنترنت عبر الأقمار الصناعية للتحايل على القيود التي تفرضها السلطات الإيرانية على الإنترنت، ويحذر المراقبون من انتشار هذه الظاهرة، التي قد تعقد مراقبة الأنشطة غير المشروعة في هذا القطاع