شهدت أسعار الذهب ارتفاعًا ملحوظًا تجاوز 1% خلال تداولات يوم الاربعاء الموافق الثالث من سبتمبر، لتسجل بذلك مستويات قياسية جديدة، إذ تخطت حاجز 3500 دولار للأونصة، ويعزى هذا الارتفاع إلى إقبال المستثمرين المتزايد على شراء المعدن النفيس، مدفوعين بتوقعات قوية بخفض مرتقب لأسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفدرالي الأمريكي خلال هذا الشهر، بالإضافة إلى استمرار حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي التي تدفع المستثمرين نحو الأصول الآمنة، وهذا الارتفاع يعكس ثقة المستثمرين في الذهب كملاذ آمن في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الراهنة.
وشهدت أسعار الذهب في المعاملات الفورية زيادة بنسبة 1,7%، لتصل إلى 3535,09 دولار للأونصة بحلول الساعة 16:50 بتوقيت شرق الولايات المتحدة (21:50 بتوقيت غرينتش)، كما حقق الذهب مكاسب ملحوظة هذا العام بلغت نسبتها 34,5%، مما يؤكد على الأداء القوي للمعدن الأصفر كملاذ استثماري جاذب، ويعكس هذا الارتفاع المستمر الأهمية المتزايدة للذهب في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية، وتأثير قرارات البنوك المركزية على الأسواق المالية.
ارتفاع العقود الآجلة للذهب
ارتفعت العقود الأمريكية الآجلة للذهب تسليم ديسمبر بنسبة 2,2% عند التسوية، لتصل إلى 3592,2 دولار، مما يشير إلى تفاؤل المستثمرين بشأن مستقبل أسعار الذهب، ويعزز هذا الارتفاع توقعات بتحقيق المزيد من المكاسب في الأشهر القادمة، وتعكس هذه الزيادة في العقود الآجلة الاهتمام المتزايد بالذهب كأداة استثمارية طويلة الأجل، وقدرته على الحفاظ على قيمته في ظل التحديات الاقتصادية.
توقعات المحللين وتأثير الفائدة
علق سوكي كوبر، محلل المعادن الثمينة في بنك ستاندرد تشارترد، قائلاً: “يدخل سوق الذهب فترة قوية موسمياً للاستهلاك، إلى جانب توقعات بخفض معدلات الفائدة في اجتماع الاحتياطي الفدرالي في سبتمبر، وما زلنا نتوقع مستويات قياسية جديدة”، وتتوقع الأسواق في الوقت الحالي احتمالاً بخفض معدلات الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في اجتماع الاحتياطي الفدرالي المقرر في 17 سبتمبر بنسبة 92% تقريباً، وفقاً لأداة CME FedWatch، مما يزيد من جاذبية الذهب الذي لا يدر عائداً في بيئة معدلات الفائدة المنخفضة، ويعكس هذا التوقع تأثير السياسات النقدية للبنوك المركزية على أسعار الذهب، وأهمية هذه القرارات بالنسبة للمستثمرين.
العوامل الداعمة لارتفاع الذهب
يقول المحللون إن زيادة الذهب إلى مستويات قياسية هذا العام عززتها عدة عوامل منها:
* مشتريات متواصلة من البنوك المركزية، والتي تسعى إلى تنويع احتياطاتها وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي،
* تنويع الاستثمارات بعيداً عن الدولار الأميركي، في ظل حالة عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق،
* الطلب القوي على الملاذ الآمن وسط خلافات جيوسياسية وتجارية، تدفع المستثمرين إلى البحث عن أصول آمنة لحماية رؤوس أموالهم،
* ضعف العملة الأميركية بشكل عام، مما يزيد من جاذبية الذهب المقوم بالدولار للمستثمرين الأجانب، وتلعب هذه العوامل دورًا حاسمًا في تحديد اتجاه أسعار الذهب، وتؤكد على أهمية متابعة التطورات الاقتصادية والسياسية العالمية.
أيضاً رفعت حالة عدم اليقين بشأن السياسة الأميركية في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب من جاذبية الذهب، إذ أثارت خلافات ترامب العلنية مع الاحتياطي الفدرالي، بما في ذلك انتقاده لرئيسه جيروم باول ودعوته لإقالة عضوة مجلس البنك ليزا كوك، مخاوف بشأن استقلالية الفدرالي، وقال كومرتس بنك في مذكرة: “تمثل الاتهامات الموجهة إلى كوك تحذيراً واضحاً لأعضاء اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة الآخرين للرضوخ لضغوط الحكومة لإجراء تخفيضات كبيرة في معدلات الفائدة، وهذا يجعل استثمارات الذهب أكثر جاذبية في مثل هذه البيئة”، وتوضح هذه العوامل السياسية كيف يمكن للأحداث الداخلية في الولايات المتحدة أن تؤثر على أسعار الذهب، وتزيد من جاذبيته كملاذ آمن.
بيانات الوظائف وتوقعات خفض الفائدة
يتسلط التركيز في الوقت الحالي على بيانات الوظائف غير الزراعية الأميركية المرتقب صدورها يوم الجمعة، بحثاً عن مؤشرات على حجم خفض معدلات الفائدة في سبتمبر، وقال المحلل في ماركت بالس التابعة لـ OANDA، زين فاودا، إن قراءة ضعيفة للوظائف هذا الأسبوع قد تعيد إشعال النقاش حول إمكانية خفض معدلات الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، وأضاف فاودا: “لا أعتقد أن هذا سيحدث، حتى لو جاءت قراءة ضعيفة للوظائف غير الزراعية، لكن قد يبدأ المشاركون في السوق في تقدير هذا الاحتمال، وهذا قد يعزز ارتفاع أسعار الذهب”، وتعكس هذه التصريحات أهمية البيانات الاقتصادية في توجيه توقعات السوق، وتأثيرها على قرارات المستثمرين بشأن الذهب.
دور صناديق الاستثمار المتداولة
تعزز تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة الزيادة في أسعار المعدن الأصفر، وأعلن صندوق SPDR Gold Trust، أكبر صندوق متداول في البورصة مدعوم بالذهب في العالم، أن حيازاته زادت بنسبة 1,01% يوم الجمعة إلى 977,68 طن، وهو أعلى مستوى منذ أغسطس 2022، وقالت رئيسة استراتيجية السلع العالمية في جي بي مورغان، ناتاشا كانيفا: “قد تظل مشتريات البنوك المركزية داعماً قوياً للذهب، ولكن من الضروري إعادة تنشيط تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة حتى ترتفع الأسعار مجدداً نحو هدفنا الصعودي لنهاية العام البالغ 3675 دولاراً للأونصة”، مضيفةً أنهم يتوقعون وصول الأسعار إلى 4250 دولاراً بحلول نهاية عام 2026، وتوضح هذه التصريحات الدور المحوري الذي تلعبه صناديق الاستثمار المتداولة في دعم أسعار الذهب، وأهمية متابعة تحركات هذه الصناديق لفهم اتجاهات السوق.
أداء المعادن الأخرى
وعن المعادن الأخرى، زادت أسعار الفضة في المعاملات الفورية بنسبة 0,4% إلى 40,84 دولار للأونصة، بعد أن سجلت أعلى مستوياتها منذ سبتمبر 2011، وتراجع البلاتين بنسبة 0,2% إلى 1397,16 دولار، واستقر البلاديوم عند 1137,33 دولار، وتعكس هذه التغيرات في أسعار المعادن الأخرى الديناميكية المختلفة التي تحكم كل معدن، وتأثير العوامل الخاصة بكل سوق على أداء هذه المعادن.