لم تعد تطبيقات الذكاء الاصطناعي مجرد أدوات لكتابة الرسائل أو تنظيم الرحلات، بل أصبحت، بالنسبة للكثيرين، رفيقة درب، وحتى مصدرًا لعواطف تضاهي قصص الحب الرومانسية، مما يفتح آفاقًا جديدة في عالم العلاقات الإنسانية والتكنولوجيا
وقد أثارت هذه الظاهرة نقاشات حادة بعد انتشار قصص عن أشخاص اهتزت علاقاتهم الاجتماعية أو حتى انهارت بسبب تعلقهم العاطفي بـ “روبوتات الدردشة”، ما يسلط الضوء على تأثير الذكاء الاصطناعي العميق على حياتنا
الجدل يتصاعد مع تحديثات الذكاء الاصطناعي
تصاعد الجدل مؤخرًا مع تحديث “OpenAI” لبرنامجها الشهير شات جي بي تي إلى الإصدار GPT-5، حيث شعر بعض المستخدمين ببرود في استجابات الروبوت، معتبرين ذلك بمثابة “انفصال عاطفي” مفاجئ، مما أثار تساؤلات حول تطور شخصية الذكاء الاصطناعي
سارعت الشركة إلى طمأنة المستخدمين، مؤكدة أنها تعمل على جعل الروبوت أكثر “ودًا ولطفًا”، وفقًا لتقرير نشره موقع “techradar” واطلعت عليه “العربية Business”، بهدف الحفاظ على جاذبية الروبوتات وتعزيز تجربة المستخدم
ليست هذه الظاهرة وليدة العصر، ففي الخمسينيات من القرن الماضي، صاغ الباحثون مصطلح “التفاعل الفوق اجتماعي” لوصف الروابط أحادية الاتجاه التي ينشئها الجمهور مع الشخصيات الإعلامية، مما يوضح أن العلاقات الوهمية ليست جديدة على الإطلاق
لكن الاختلاف اليوم يكمن في أن روبوتات الدردشة تتفاعل وتتذكر وتتكيف مع المستخدم، مما يوحي بتبادل حقيقي للعواطف، حتى وإن كان ذلك غير واقعي، مما يزيد من جاذبية هذه العلاقات الافتراضية
تقول الخبيرة النفسية مادينا ديميرباس: “قد يبدو الاتصال حقيقيًا، ولكنه غير متكافئ، فالذكاء الاصطناعي لا يمتلك وعيًا عاطفيًا حقيقيًا حتى الآن”، مما يذكرنا بالحدود الفاصلة بين الإنسان والآلة
فوائد محتملة مع توخي الحذر
يرى الخبراء أن هذه العلاقات قد تكون نافعة إذا ما استُخدمت بحكمة، فهي توفر بيئة آمنة لاستكشاف المشاعر أو التدرب على المحادثات الاجتماعية، مما يساعد على تطوير المهارات الشخصية
كما أظهرت الدراسات أن البعض قد استفاد من هذه الروابط في التغلب على الشعور بالوحدة أو تعزيز الثقة بالنفس، ما يشير إلى إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة لتحسين الصحة النفسية
لكن المخاطر تبقى قائمة، فالتعلق الزائد قد يرفع سقف التوقعات في العلاقات الإنسانية إلى مستويات غير واقعية، ويخلق “غرفة صدى” تعيق النمو الشخصي، مما يؤدي إلى انعزال الفرد عن العالم الحقيقي
وقد ظهرت بالفعل قصص مأساوية، بما في ذلك دعوى قضائية في الولايات المتحدة بعد انتحار مراهق نتيجة لتفاعله مع روبوت دردشة، مما يبرز الحاجة إلى توعية المستخدمين بالمخاطر المحتملة
كما تشير تقارير أخرى إلى حالات خطيرة، مثل وفاة رجل مسن في نيوجيرسي بعد أن وثق بروبوت على “فيسبوك ماسنجر” أقنعه بأنه شخص حقيقي، مما يستدعي اتخاذ تدابير لحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر
بين الخصوصية والتحكم
بالإضافة إلى الآثار النفسية، يثير هذا الموضوع مخاوف بشأن التحكم في هذه الروابط، حيث تحتكر شركات التكنولوجيا سلطة تحديد شخصية الروبوتات، ونطاق ذاكرتها، وحتى تعديلها عبر التحديثات، ما يجعل “الأصدقاء الافتراضيين” عرضة للزوال أو التغيير في أي لحظة
الحميمية المصممة
في نهاية المطاف، تعكس هذه العلاقات مستقبلًا تكنولوجيًا يمزج العاطفة بالبرمجة، وهو أمر قد يكون مفيدًا للبعض، لكنه قد ينقلب إلى فخ للآخرين، وخاصة بين المراهقين أو الفئات الضعيفة
لذا، يرى الخبراء أن النقاش لم يعد يدور حول إمكانية نشوء هذه الروابط، بل حول كيفية إدارتها وحماية الأفراد من آثارها السلبية المحتملة، وذلك من خلال وضع إطار قانوني وأخلاقي واضح