الصراع على ريادة الذكاء الاصطناعي هل تتفوق الصين على أمريكا؟

في سباق محموم لتشكيل معالم المستقبل، تتنافس القوى الكبرى على السيطرة على الذكاء الاصطناعي، تلك التقنية التي باتت تعتبر سلاحًا اقتصاديًا واستراتيجيًا حاسمًا في القرن الحادي والعشرين، بينما تسعى واشنطن جاهدة للحفاظ على تفوقها التاريخي، تتحرك بكين بخطى متسارعة لاقتناص هذه الفرصة الثمينة، مستفيدة من نماذج متطورة وتطبيقات واسعة الانتشار، فهل يشهد هذا السباق فصلاً جديدًا من الصراع المحتدم بين أمريكا والصين، أم أنه سيؤسس لنظام عالمي جديد تتقاسم فيه هاتان القوتان النفوذ على العقول الرقمية في جميع أنحاء العالم،

حوكمة الذكاء الاصطناعي: معركة جديدة في الأسواق العالمية

لم يكن أحد يتوقع أن تبرز الصين كمنافس قوي في صياغة معايير الذكاء الاصطناعي، ولكن إطلاق نموذج DeepSeek-R1 غيّر قواعد اللعبة، فقد أثبتت بكين قدرتها الفائقة على تطوير نماذج لغوية متقدمة بموارد أقل بكثير من تلك التي تمتلكها نظيراتها الأمريكية، الأمر الذي قلل من فاعلية سياسة واشنطن في منع وصول الصين إلى التكنولوجيا المتقدمة،

نجاح تقني يواجه عقبات سياسية

على الرغم من هذا الإنجاز اللافت، واجهت الصين تحديات جمة على الساحة الدولية، حيث قامت كل من إيطاليا وتايوان بحظر نموذج DeepSeek، مبررة ذلك بمخاوف تتعلق بالخصوصية والأمن، ومع ذلك، تراهن بكين على تقديم حلول ميسورة التكلفة، وذات كفاءة مقبولة، وقابلة للانتشار السريع، لتعويض الفارق التكنولوجي مع واشنطن، في رهان تجاري يبدو مغريًا للعديد من الدول النامية،

الحذر مقابل السرعة

تنظر الولايات المتحدة إلى الذكاء الاصطناعي على أنه سباق استراتيجي عالي المخاطر، بينما تتبنى الصين مقاربة عملية تعتبر الذكاء الاصطناعي أشبه بالكهرباء أو الحواسيب، أي أنه تقنية ثورية لكنها غير مدمرة، حتى أن بعض القادة الآسيويين، مثل رئيس وزراء سنغافورة، يشيرون إلى أن القيمة الحقيقية للتكنولوجيا تظهر عند تعميم استخدامها، لا عند حدود التطوير القصوى،

تنظيم صديق للصناع ولكن بلا حماية للحقوق

تشير الدراسات الأكاديمية إلى أن القوانين الصينية للذكاء الاصطناعي تتسم بالمرونة التجارية، لكنها تفتقر إلى حماية الخصوصية والحقوق الفردية، توفر الصين بيانات حكومية ضخمة للشركات، مما يجعل أنظمة التعرف على الوجوه لديها من بين الأفضل عالميًا، لكنها في الوقت نفسه تطور تطبيقات تستهدف الأقليات العرقية، وتحول الرقابة على العمال إلى صناعة قائمة،

معركة سياسية مع واشنطن

على الرغم من صعوبة تقبل النموذج الصيني في الديمقراطيات الليبرالية، فإن العديد من الدول النامية تبحث عن تقنيات فعالة ورخيصة بعيدًا عن الاعتبارات الحقوقية، مما يمنح بكين فرصة سانحة للتوسع، ويزيد من قوة الموقف الصيني أن إدارة ترامب، الساعية للاحتكار التكنولوجي، تهدد بفرض رسوم عقابية على الدول التي تنظم شركات التكنولوجيا الأمريكية بطرق لا تروق لها، مما يمنح الصين هدية سياسية ثمينة، فيما يمكن تسميته "تأثير ترامب"،

السباق العالمي للذكاء الاصطناعي بين الصين وأمريكا لا يخلو من المخاطر

على الرغم من الإمكانيات الهائلة التي ينطوي عليها الذكاء الاصطناعي، فإن التوسع السريع في استخدامه يثير مخاوف عميقة على مستوى العالم، فقد حذر صندوق النقد الدولي من أن هذه التقنية قد تؤثر على نحو 40% من الوظائف عالميًا، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم الفجوة الاقتصادية بين الدول والأفراد، كذلك، تثار مخاوف متزايدة بشأن إعادة إنتاج أنظمة الذكاء الاصطناعي للتحيزات المجتمعية القائمة، مثل العنصرية والتمييز الجنسي، نظرًا لاعتمادها على بيانات عامة مشبعة بهذه الميول، وقد سجلت بالفعل حوادث مثيرة للجدل،

تبرز هذه المخاطر في وقت تتسارع فيه الصين وأمريكا لتصدر سباق الذكاء الاصطناعي، حيث تضع واشنطن معايير للسلامة وتشدد على المخاطر، بينما تراهن بكين على السرعة والانتشار، في النهاية، لا يتعلق السباق بين الصين وأمريكا بالهيمنة التقنية فحسب، بل بكيفية تشكيل ملامح المستقبل البشري نفسه، فبين نموذج يضع السرعة والانتشار في المقدمة، وآخر يوازن بين الابتكار والحذر، يبقى الخطر الحقيقي أن تتقدم التكنولوجيا أسرع من قدرة المجتمعات على ضبطها أخلاقيًا وقانونيًا، فالعالم اليوم أمام مفترق طرق، إما استغلال قوة الذكاء الاصطناعي لصالح البشرية، أو الانزلاق إلى عصر جديد تتحكم فيه الخوارزميات بمصائر البشر وبلا معايير تحميهم،