اكتمال القمر أهميته وتأثيره ولماذا يظهر باللون الأحمر أحيانا




يترقب عشاق الفلك حول العالم حدثاً سماوياً فريداً يوم الأحد، حيث سيتحول القمر بدراً إلى قمرٍ دموي نتيجة خسوف كلي للقمر، مما يعد مشهداً يستحق الانتظار والتأمل فيه، فاستعدوا للكشف عن جمال الكون وتغيراته المثيرة.

عند مرور القمر في منطقة ظل الأرض، سيكتسب لوناً أحمر قاتماً، ليظهر لنا ما يعرف بظاهرة “القمر الدموي” الساحرة، وهذا التحول اللوني يزيد من جمال الحدث، ويجعله تجربة لا تنسى لمحبي الظواهر الفلكية.

يعزى هذا اللون الأحمر إلى مرور ضوء الشمس عبر الغلاف الجوي للأرض، حيث يتم امتصاص الضوء الأزرق وتشتيته، بينما ينفذ الضوء الأحمر ليصل إلى القمر، فتأملوا كيف أن الغلاف الجوي لكوكبنا يضفي لمسة فنية على هذا الحدث الفلكي الرائع.

من المتوقع أن يتمكن سكان مناطق واسعة من الكرة الأرضية، مثل أقصى شرق أفريقيا والشرق الأوسط وأغلب قارة آسيا وغرب أستراليا، من الاستمتاع بمشاهدة هذا الحدث كاملاً منذ بدايته وحتى نهايته، لذا، جهزوا أنفسكم لمتابعة هذا العرض السماوي النادر والجميل.

يظهر القمر بدراً عندما يكون في الجهة المقابلة للأرض بالنسبة للشمس، مما يجعل سطحه المواجه لنا مضاءً بالكامل، وهذا التوازن الكوني يمنحنا فرصة لرؤية القمر في أبهى صوره، وتذكرنا بعظمة الكون ودقة نظامه.

للقمر المكتمل تأثير عميق في تشكيل ثقافات وتقاليد الشعوب حول العالم، إذ أثر في الممارسات الزراعية للإنسان، بل وربما يؤثر أيضاً في جودة نومنا، وهذا يوضح مدى ارتباطنا الوثيق بالقمر وتأثيره في حياتنا اليومية.

كذلك، يعتقد الكثير من المزارعين أن فترة اكتمال القمر هي الفترة المثالية لزراعة البذور، وهذا الاعتقاد يعكس المعرفة القديمة التي توارثتها الأجيال حول تأثير القمر في نمو النباتات.




ما أهمية القمر المكتمل بالنسبة لأجدادنا؟

اعتمد أجدادنا على دورات القمر المنتظمة، بمراحله المتتالية من الاكتمال والتناقص، كوسيلة أساسية لتحديد الوقت وتنظيم الأنشطة اليومية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك “عظم إيشانغو” الذي اكتُشف عام 1957 في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ليكون شاهداً على استخدامات القمر في الحضارات القديمة.

يعتقد الباحثون أن هذه العظمة، المصنوعة على الأرجح من عظام قرد البابون، والتي يعود تاريخها إلى أكثر من 20 ألف عام، تمثل أحد أقدم أشكال التقويم، لتذكرنا بعبقرية الإنسان القديم في تتبع الوقت وتنظيم حياته.

تحمل العظمة نقوشاً فريدة، تتنوع بين الدوائر الكاملة والمفتوحة وأنصاف الدوائر، وقد اكتشفها عالم جيولوجيا بلجيكي، لتبدأ رحلة جديدة من البحث والتفسير لهذه العلامات القديمة.

افترض عالم الآثار في جامعة هارفارد، ألكسندر مارشاك، أن هذه النقوش قد تمثل المراحل المختلفة للقمر، مما يشير إلى أن العظمة استُخدمت كتقويم قمري يمتد لستة أشهر، ليكون هذا الافتراض بمثابة نافذة نطل منها على حياة أجدادنا وعلاقتهم بالسماء.




يُعرف القمر المكتمل الأقرب إلى الاعتدال الخريفي، الذي يقع عادة في أواخر سبتمبر أو أوائل أكتوبر، باسم “قمر الحصاد”، ليذكرنا بأهمية هذا الوقت من العام بالنسبة للمزارعين.

في ذلك الوقت من السنة، يشرق القمر بعد غروب الشمس بوقت قصير، مما يتيح للمزارعين، الذين يسابقون الزمن لحصد محاصيلهم، مواصلة العمل لساعات إضافية تحت ضوء القمر، وهذا يسلط الضوء على الدور الحيوي الذي لعبه القمر في دعم الزراعة قديماً، على عكس اليوم حيث يعتمد معظم المزارعين على الإضاءة الاصطناعية.




ما هي الاحتفالات التي تُقام عند اكتمال القمر؟

في الصين، يحتفلون بمهرجان منتصف الخريف، المعروف أيضاً باسم “عيد لم الشمل” أو “مهرجان القمر”، خلال يوم قمر الحصاد، وهو يوم عطلة رسمية، حيث يعود تاريخ هذا المهرجان إلى حوالي 3000 عام، وكان يُحتفل به تقليدياً للتعبير عن الأمل في موسم حصاد وفير، ليكون رمزاً للوحدة والتفاؤل.

وبالمثل، تحتفل الثقافة الكورية بمهرجان تشوسوك لمدة ثلاثة أيام، والذي يتزامن أيضاً مع قمر الحصاد، وخلال هذه المناسبة، تجتمع العائلات للاحتفال بخيرات الحصاد وتكريم الأجداد والأسلاف، ليكون هذا المهرجان فرصة لتعزيز الروابط الأسرية والاحتفاء بالتراث.

في الثقافة الهندوسية، تُعتبر أيام اكتمال القمر، المعروفة باسم “بورنيما”، مناسبات دينية تترافق مع الصيام والصلوات، ويُقام مهرجان “كارتك بورنيما” في شهر نوفمبر، الذي يُعد الشهر الأكثر قدسية في التقويم الهندوسي، احتفالاً بانتصار الإله شيفا على الشيطان تريبوراسورا وولادة أول تجسيد للإله فيشنو على هيئة “ماتسيا”، وتشمل الطقوس الاستحمام في الأنهار وإضاءة صفوف من المصابيح الطينية، ليكون هذا المهرجان مناسبة للتطهير الروحي والاحتفال بالانتصارات الإلهية.

كما يُقام مهرجان كومبه ميلا مرة واحدة كل 12 عاماً، ويبدأ مع اكتمال القمر، ليكون هذا الحدث تجمعاً روحياً ضخماً يجذب الملايين من الحجاج.




يعتقد البوذيون أن بوذا وُلد تحت ضوء القمر قبل 2500 عام، وأن التنوير والموت أيضاً حدثا تحت ضوء القمر، ويتم الاحتفال بهذه الأحداث في مهرجان بوذا بورنيما، الذي يوافق عادةً يوم اكتمال القمر في شهري أبريل أو مايو، ليكون هذا المهرجان مناسبة للاحتفاء بحياة بوذا وتعاليمه.

في سريلانكا، يعتبر يوم اكتمال القمر عطلة رسمية تسمى “بويا”، حيث يُحظر بيع الكحول واللحوم، وهذا يعكس الأهمية الروحية والثقافية للقمر في هذا البلد.

في بالي، يتم الاحتفال باكتمال القمر خلال عيد بورناما، حيث يُعتقد أن الآلهة تنزل إلى الأرض لتوزيع البركات، وهو وقت للصلاة وتقديم القرابين للآلهة وزراعة أشجار الفاكهة في الحدائق، ليكون هذا العيد مناسبة للتواصل مع الألوهية والاحتفاء بالخصوبة.

في المسيحية، يُحتفل بعيد الفصح في أول يوم أحد بعد أول اكتمال للقمر بعد الاعتدال الربيعي، وهذا يوضح كيف أن القمر له تأثير في تحديد بعض الأعياد الدينية الهامة.

في المكسيك وبعض دول أمريكا اللاتينية، يتم إحياء رقصة القمر التقليدية للسكان الأصليين، حيث تجتمع النساء في وقت اكتمال القمر للرقص والعبادة خلال مهرجان يستمر ثلاثة أيام، ليكون هذا الاحتفال تعبيراً عن التراث الثقافي الغني وعلاقته بالقمر.

ما الأساطير والحكايات التي تُحيط بالقمر المكتمل؟

في أوروبا، منذ العصور القديمة، ساد الاعتقاد بأن اكتمال القمر يسبب الجنون لدى بعض الأشخاص، حتى أن كلمة “lunacy” الإنجليزية (الجنون) مشتقة من الكلمة اللاتينية “luna” التي تعني القمر، وهذا يعكس التأثير القوي الذي كان يُعتقد أن القمر يمتلكه على العقل البشري.

نشأت أسطورة المستذئبين من الاعتقاد بأن اكتمال القمر يحفز سلوكيات غير مسيطر عليها، حيث يُقال إن بعض البشر يتحولون إلى ذئاب بشكل تلقائي ويثيرون الرعب في محيطهم خلال ليالي اكتمال القمر، لتبقى هذه الأسطورة رمزاً للخوف من المجهول والقوى الخفية.

في القرن الرابع قبل الميلاد، ذكر المؤرخ اليوناني هيرودوت قبيلة تدعى “Neuri” كانت تعيش في منطقة سكيثيا (جزء من روسيا الحديثة)، وزعم أن أفراد هذه القبيلة يتحولون إلى ذئاب لبضعة أيام كل عام، لتضيف هذه القصة بعداً تاريخياً لأسطورة المستذئبين.

في أوروبا، شهدت الفترة بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر محاكمات عديدة لأشخاص اتُهموا بأنهم مستذئبون، وهذا يدل على مدى انتشار الخوف من هذه الأسطورة في تلك الحقبة الزمنية.

إحدى أشهر هذه القضايا كانت قضية بيتر ستوب (أو شتومب)، وهو مالك أرض ألماني، في عام 1589، حيث ادعى بعض الصيادين المحليين أنهم رأوه يتحول من ذئب إلى إنسان، وبعد تعذيبه، اعترف بيتر بامتلاكه حزاماً سحرياً يستخدمه للتحول إلى مستذئب، مما يمكنه من اصطياد الناس وأكلهم، لتبقى هذه القصة مثالاً مروعاً على تأثير الأساطير والخرافات في توجيه الأحكام في الماضي.

كيف يؤثر اكتمال القمر على الحياة اليومية؟

يقوم العديد من المزارعين بزراعة البذور والشتلات خلال فترة اكتمال القمر، وهو ما يفعله أيضاً سكان بالي في مهرجان بورناما، معتقدين أن القمر يعزز خصوبة التربة، وهذا يعكس الاعتقاد الراسخ بأن القمر له تأثير إيجابي في نمو النباتات.

يعتقد بعض الناس أن اكتمال القمر يؤثر سلباً في جودة النوم، مما يدفعهم إلى اتخاذ احتياطات إضافية لضمان نوم هادئ ومريح.

تشير الدراسات إلى أنه خلال فترة اكتمال القمر والأيام القريبة منها، يستغرق الناس وقتاً أطول للدخول في النوم، ويقضون وقتاً أقل في النوم العميق، وينامون لفترة أقصر، وتنخفض مستويات هرمون الميلاتونين، وهو الهرمون الذي يساعد على النوم، ليكون ذلك دليلاً علمياً على وجود تأثير للقمر في دورة النوم.

في دراسة أُجريت عام 2000 في برادفورد بالمملكة المتحدة، تبين أن الحيوانات تصبح أكثر عدوانية وتميل إلى العض بشكل أكبر خلال فترة اكتمال القمر، مما يثير تساؤلات حول تأثير القمر في سلوك الحيوانات.

أظهرت الدراسة أيضاً أنه خلال الفترة من 1997 إلى 1999، ارتفع عدد المرضى الذين نُقلوا إلى المستشفى بسبب إصابات ناجمة عن هجمات الحيوانات بشكل ملحوظ في الأيام القريبة من اكتمال القمر، وهذا يعزز الفرضية القائلة بأن القمر قد يؤثر في سلوك الحيوانات بطريقة أو بأخرى.