
في إطار جهود مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، الرامية إلى دراسة أفضل الممارسات العالمية في مختلف المجالات بهدف الاستفادة منها في تحديد فرص التنمية المتاحة في مصر، واستشراف المستقبل من خلال تنظيم ورش عمل متخصصة لدراسة هذه الجوانب وتحديد متطلبات النجاح، أصدر المركز تقريرًا يوضح أهم الفرص المتاحة أمام الدولة المصرية في قطاع “صناعة البطاريات”، تلك الصناعة التي تشهد نموًا متزايدًا وأهمية بالغة في تحقيق التنمية المستدامة والتحول نحو اقتصاد أخضر، مما يجعلها محورًا رئيسيًا في رؤية مصر المستقبلية.
أشار التقرير الصادر عن المركز إلى أن “صناعة البطاريات” تمثل فرصة استراتيجية لمواجهة تحديات الطاقة المتجددة المرتبطة بالتقلبات في مصادرها، كالتباين في معدلات سطوع الشمس أو سرعة الرياح، مما يتيح الاستفادة المثلى من تخزين الطاقة لاستخدامها لاحقًا في دعم التحول نحو السيارات الكهربائية، إضافة إلى ذلك، يمكن استغلال الطاقة المخزنة في البطاريات في الحالات التي تتوقف فيها مصادر الطاقة الأساسية عن العمل، مما يضمن استمرارية الإمداد بالطاقة، خاصة مع التوقعات بنمو سوق بطاريات السيارات العالمي ليصل إلى حوالي 82.90 مليار دولار بحلول عام 2032، مما يعزز من جاذبية الاستثمار في هذا القطاع الواعد.
عملية إعادة تدوير البطاريات تساهم بشكل ملحوظ في تقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، حيث أن عمليات التعدين ومعالجة المواد تتطلب كميات كبيرة من الطاقة مما يزيد من انبعاثات الغازات الدفيئة، في المقابل، تتطلب إعادة تدوير المعادن من البطاريات طاقة أقل بكثير، مما يخفض البصمة الكربونية ويتيح استعادة المواد القيمة كالرصاص والليثيوم والكوبالت والنيكل، مما يقلل الحاجة إلى استخراج المزيد من المواد الخام، وتهدف عمليات إعادة التدوير بشكل عام إلى استعادة ما بين 70% و 90% من الوزن الإجمالي للبطارية.
أهمية صناعة البطاريات للاقتصاد المصري
أوضح مركز المعلومات الأهمية الاستراتيجية لـ “صناعة البطاريات” بالنسبة لمصر، وذلك من خلال عدة جوانب رئيسية، تشمل:
خلق فرص عمل: صناعة البطاريات وإعادة تدويرها تخلق فرص عمل جديدة في مختلف المجالات مع استمرار نمو الطلب على بطاريات الليثيوم أيون، ومن المتوقع أن تولد سلسلة قيمة البطاريات حوالي 10 ملايين وظيفة حول العالم بحلول عام 2030، وفقًا لتقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.
زيادة كفاءة الطاقة: من خلال تخزين الطاقة الفائضة وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية.
تقليل تكاليف الإنتاج: استخدام المواد المعاد تدويرها وخاصة العناصر القيمة مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل في صناعة بطاريات جديدة أو منتجات أخرى بدلاً من استخراج مواد جديدة يمكن أن يقلل من تكاليف الإنتاج.
الانتقال إلى الطاقة النظيفة والحد من التلوث البيئي: صناعة بطاريات السيارات وتدويرها تساهم في تقليل النفايات الخطرة ومنع التلوث والحفاظ على الموارد الطبيعية، خاصة بطاريات فوسفات الحديد والليثيوم التي تتميز بالاستقرار الحراري، وطول العمر الافتراضي مقارنة بغيرها، وتحمل عددًا أكبر من دورات الشحن والتفريغ، وانخفاض تكلفة الإنتاج، والاستدامة البيئية لكونها غير سامة وخالية من المعادن الثقيلة الضارة.
مقومات نجاح صناعة البطاريات في مصر
تعتمد فرص نجاح “صناعة البطاريات” في مصر على عدة مقومات أساسية، تتمثل فيما يلي:
وجود قاعدة من الموارد الطبيعية: تمتلك مصر موارد طبيعية ضرورية لصناعة البطاريات، وعلى رأسها الفوسفات المستخدم في صناعة بطاريات فوسفات الحديد والليثيوم (LiFePO4)، وهي نوع من بطاريات الليثيوم أيون، وتمتلك مصر ثاني أكبر احتياطي من خام الفوسفات بعد المغرب في عام 2023، حيث يبلغ احتياطيها حوالي 2.8 مليار طن متري، بينما يمتلك المغرب حوالي 50 مليار طن متري من الاحتياطيات، وهو ما يمثل حوالي 70% من إجمالي الفوسفات في العالم.
اقتصاد جاذب للاستثمارات: تعتبر مصر من بين أكبر الدول الجاذبة للاستثمار في شمال إفريقيا، حيث احتلت المرتبة الثانية عالميًا بعد الجزائر في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، والتي بلغت حوالي 9.84 مليار دولار، وفقًا لتقرير الاستثمار العالمي لعام 2023، ويمكن توجيه هذه الاستثمارات نحو تطوير صناعة بطاريات السيارات.
نمو متسارع في صناعة السيارات: يشهد سوق السيارات الكهربائية في مصر نموًا سريعًا، ومن المتوقع أن يصل حجمه إلى 9.42 مليار دولار بحلول عام 2033، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 18.11%، وسيؤدي هذا النمو إلى توسع سوق البطاريات في البلاد.
الدعم الحكومي: تقدم الحكومة المصرية العديد من الحوافز لدعم سوق السيارات الكهربائية، بالإضافة إلى الوعي البيئي المتزايد وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية، وقد قدمت الحكومة سياسات تهدف إلى الحد من انبعاثات الكربون وتعزيز اعتماد السيارات الكهربائية، مثل تقديم الإعفاءات الضريبية والإعانات لمشتري السيارات الكهربائية، كما أن البنية التحتية المحسنة للشحن تساهم في تسريع اعتماد السيارات الكهربائية، وكل هذه العوامل يمكن أن تساعد في ازدهار صناعة البطاريات في مصر.
وجود استراتيجيات تدعم التوجه نحو الطاقة المتجددة: حددت الحكومة أهدافًا لزيادة حصة الطاقة المتجددة لتشكل 42% من مزيج الكهرباء في البلاد بحلول عام 2035، بالاعتماد على التوسع السريع في استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
متطلبات النجاح في تعزيز صناعة البطاريات في مصر
لتحقيق النجاح في تعزيز “صناعة البطاريات” في مصر، يجب التركيز على المتطلبات التالية:
استغلال عناصر الإنتاج: من خلال الاستفادة القصوى من توافر المعادن الحيوية الأساسية التي تميز صناعة البطاريات، وعلى رأسها الفوسفات.
البحث عن شراكات: تحفيز القطاع الخاص للاستثمار في هذه الصناعة من خلال تقديم الإعفاءات الضريبية والتعاون مع الدول الرائدة في هذا المجال، مثل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والصين.
التكامل مع صناعة السيارات الكهربائية: يجب أن يتكامل تطوير بطاريات فوسفات الحديد والليثيوم مع صناعة السيارات الكهربائية لضمان تحقيق النجاح في الأسواق المحلية.