في منطقة نائية تبعد 725 كيلومترًا عن العاصمة التشيلية سانتياغو، وفي أعماق منجم مظلم، وجد 33 عاملًا أنفسهم في مواجهة مصير مجهول، المسافة التي تفصلهم عن ضوء الشمس كانت تبدو وكأنها لا تُقهر، حيث بلغت حوالي 5 كيلومترات من الصخور والأتربة.
في ذلك اليوم المشؤوم من أغسطس 2010، وقعت الكارثة، انهار المنجم، ليقطع طريق العودة إلى سطح الأرض على هؤلاء العمال المحاصرين.
فجأة، انهالت صخور ضخمة من السقف، كتلة هائلة بوزن 700 ألف طن سقطت بالقرب من العمال، الذين تراوحت أعمارهم بين 19 و 60 عامًا.
وجد العمال أنفسهم فجأة معزولين في باطن الأرض، لجأوا إلى ملجأ طوارئ صغير، لكن الإمدادات كانت شحيحة للغاية، بالكاد تكفي ليومين أو ثلاثة، هناك، جلسوا متراصين، ينتظرون النجدة في رعب، يصلون أن تأتي المساعدة قبل فوات الأوان.
في الأعلى، لم يكن أحد يعلم مصير عمال المنجم، هل نجوا من الانهيار أم لقوا حتفهم، وخلال المحاولة الأولى لرجال الإنقاذ للوصول إلى المنجم، وقع انهيار آخر، تضاءلت الآمال أكثر، لكن إصرار عائلات العمال نجح في جذب انتباه وسائل الإعلام العالمية، لولا ذلك، لربما أوقفت السلطات التشيلية عملية الإنقاذ، لاعتقادها بأنه لا يوجد ناجون.
عملية الإنقاذ المعقدة
واجهت عملية الإنقاذ الدولية العديد من العقبات، من بينها الخرائط القديمة للمنجم واستمرار سقوط الصخور، ومع مرور الوقت، بدأ عمال المنجم المحاصرون يفقدون الأمل في رؤية النور مرة أخرى.
كان من الضروري تنفيذ عملية إنقاذ معقدة للوصول إلى العمال المحاصرين وانتشالهم أحياء، وهو ما تطلب استثمارًا كبيرًا، وبفضل التغطية الإعلامية الواسعة، أصبحت عملية الإنقاذ على رأس أولويات الحكومة التشيلية.
بُذلت جهود مضنية، طلبت الحكومة المساعدة من شركات الحفر المتخصصة، وشارك أكثر من 600 مهندس وعامل إنقاذ في هذه العملية الصعبة، لاحقًا، قدرت الحكومة التكلفة الإجمالية لعملية الإنقاذ بأكثر من 22 مليون دولار.
العالم بأسره كان يترقب الأخبار القادمة من تشيلي، لمعرفة مصير عمال المنجم، طوال 17 يومًا من عملية الإنقاذ، لم يكن أحد يعرف هل هم أحياء أم أموات، ومما زاد من اليأس، كان مخزون الطعام المحدود، المكون من التونة المعلبة، والمياه التي تكفي لبضعة أيام فقط.
بصيص من الأمل
في 22 أغسطس 2010، تمكن رجال الإنقاذ أخيرًا من الحفر بعمق ووصل مثقابهم إلى الملجأ، الفرحة التي غمرت العمال المحاصرين كانت لا توصف، وعندما رفع عمال الإنقاذ المثقاب إلى السطح، وجدوا رسالة معلقة عليه: “نحن على قيد الحياة. يوجد 33 شخص هنا”.
بعد ذلك، تم التواصل مع العمال المحاصرين، وتمكنوا من التحدث إلى أسرهم، وتم تزويدهم بالطعام والماء والأدوية والكتب والمجلات.
لإخراج العمال المحاصرين، كان لا بد من استخدام كبسولة خاصة، صُنعت في البحرية التشيلية بمساعدة وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”، وقبل ذلك، تطلب الأمر حفر نفق بقطر 70 سنتيمترًا باستخدام مثقاب هيدروليكي خاص، لتتمكن الكبسولة من التحرك داخله والوصول إلى الملجأ.
الخروج إلى النور
في 12 أكتوبر، وبعد 68 يومًا من انهيار المنجم، اكتملت هذه العملية المعقدة بنجاح، تم انتشال العمال الـ 33 واحدًا تلو الآخر وإخراجهم إلى سطح الأرض.
خرجوا من القبر الذي دُفنوا فيه أحياء وهم يرتدون نظارات واقية خاصة لحماية أعينهم من أشعة الشمس، وكان لويس أورسوا، المشرف على فريق العمل، والبالغ من العمر 54 عامًا، آخر من خرج إلى النور.
واجه الناجون لاحقًا العديد من المشاكل والصعوبات في حياتهم، لكنهم في مواجهة هذه الكارثة، أظهروا بطولة في واحدة من أكبر عمليات الإنقاذ من نوعها، لم يستسلموا، بل تشبثوا بالحياة وحافظوا على أرواحهم من خلال تقنين حصصهم الغذائية، مما مكنهم من البقاء على قيد الحياة حتى جاء الفرج.
المصدر: RT