«احتفاءً بالإبداع السينمائي» افتتاح معرض “باب الحديد” تكريماً لمئوية الراحل يوسف شاهين

احتفى مهرجان الجونة السينمائي في دورته الثامنة بمئوية أحد أكثر المخرجين العرب تأثيرًا وجموحًا في تاريخ السينما؛ يوسف شاهين، لم يكن شاهين يلتقط الصورة فحسب، بل كان يفتح مجالات لأسئلة لم تجرؤ الكاميرا العربية على طرحها من قبله، انطلقت الاحتفالية من مدينة الجونة، بحضور عدد كبير من نجوم الفن، منهم يسرا، حسين فهمي، إلهام شاهين، وليلى علوي، وجالي خوري، الإعلامية منى الشاذلي، الذين حرصوا على مشاهدة معرض وقطار “باب الحديد” بهذا الشكل المتجدد الذي يعبر عن تاريخ طويل مليء بالإنجازات.

لحظة تفاعلية لا تُختصر

إنها ليست مئوية تُختصر في خطاب أو تكريم، بل لحظة ممتدة وتفاعلية، تتفرع وتتجدد، وترفض الاكتمال، تبدأ هنا، من شاطئ الجونة، في فضاء مفتوح يشبه سينماه، لكنها لا تمكث بل تمضي كما كان يمضي هو، من فكرة إلى أخرى، ومن مكان إلى آخر، من مهرجان مونبلييه في فرنسا، حيث اختار الشباب شاهين ليكون بوصلتهم في إعادة اكتشاف السينما، مروراً باليابان وسويسرا، ومنها إلى مهرجانات كبرى تستعد لاستقباله لا كضيف، بل كغائب حاضر، يعود في كل لقطة، وفي كل سؤال.

أفلام شاهين: أفق للأحلام

يوسف شاهين، مخرج خلق بأفلامه سُلَّم قوامه الأحلام، لنرتقي عليه جميعا ونرى العالم بعيونه، كل فيلم من أفلامه كان امتدادًا لذاته المشحونة بالأسئلة والهواجس، من “باب الحديد” إلى الآخر، من “إسكندرية ليه؟” إلى “حدوتة مصرية”، من “الأرض” إلى “العصفور”، بحثَ شاهين عن حقه في الحلم، وتفقد الهُوية والجسد، وطرح أسئلة عن الذات والمجتمع، الشباب والكهولة، الخضوع والثورة، بكاميرا حساسة لا تسعى إلى الرصد الجاف بقدر ما تحفز المشاعر، وتخلق شريط سينمائي مُربك وثوري، لم يلبث أن تحول إلى خفقات من السحر، حتى في أكثر لحظاته قسوة وعنف.

معرض “باب الحديد”: تجربة انغماس تفاعلية

يقوم المعرض على فكرة تحرير الصورة نحو فضاء تفاعلي، حيث تمتزج الذاكرة بالمسار المكاني، فمع دخول الزائر إلى معرض “باب الحديد”، يتجاوز كونه مُراقب على مسافة من الحدث، ويتحرك إلى الداخل، يمنحه المعرض تجربة الانخراط بصرياً وفكرياً في رحلة شاهينية، أشبه بقطار قضبانه حكايات ومحطاته أفلام سينمائية، تُتَرجَم داخله الفيلموغرافيا إلى أنساق بصرية حيّة، بتصميم يجمع بين التراث والابتكار، والمواد البصرية والسمعية والتركيبات الفنية، يأتي المعرض كثمرة تعاون بين المخرجة والمنتجة ماريان خوري، المديرة الفنية لمهرجان الجونة السينمائي، والمهندسة المعمارية شيرين فرغل.

استحضار تجربة حسية مميزة

يستحضر المعرض تجربة حسية، مستوحاة من خصوصية فيلم “باب الحديد” البصرية والجوهرية، تتقاطع مع لقطات سينمائية من فيلموغرافيا شاهين، لتخرجها عن إطارها، وتصنع منها نسيجاً لسردية بديلة مفعمة بالسحر، تستحضر شاهين كأنه يجلس في المقعد المجاور، ويأخذك في رحلة خاصة تعيد فيها اكتشاف سينماه، رحلة لا تنتهي بخروجك من المعرض، بل تبدأ.

عرض أفلام شاهين: من “إسكندرية كمان وكمان؟” إلى مواهب جديدة

وما يمنح معرض “باب الحديد” ثقلاً إبداعياً؛ هو محاولة إزاحة التجربة البصرية ذات الطابع المكاني، إلى تجربة مكانية، لا تكتفي بالعرض، بل تعيد اكتشاف الفيلم في مساحة مختلفة وتفاعلية، تؤطر سينما شاهين في حيّز جديد، لتتحول إلى محيط تفاعلي ينبض بالضوء والاحتمالات، إلى جانب كون فكرة تغيير الوسيط الذي نشاهد فيه السينما يمنحنا فرصة لإعادة اكتشاف السينما كفن، ويوفر لنا فرصة اختبار مشاعر جديدة لها حضور مادي.

يعود شاهين إلى الشاشة الذهبية، حيث تختار الجونة عرض أحد أهم التجارب الشاهينية الخالصة “إسكندرية كمان وكمان؟”، ثالث أفلام سلسلة السيرة الذاتية التي تعتبر بمثابة نقطة تحوّل في السينما العربية، حين أعلن شاهين أن حياته تستحق أن تُروى، وإلى جانب فيلمه تُعرض أربعة أعمال لمخرجين عرب تتلمذوا على قلقه الوجودي وثورته وجموحه، واستلهموا من جرأته تلك القدرة النادرة على الوقوف والحكي، لم يسيروا على خطاه كظلٍ باهت، بل كمُريدين أتقنوا لغة البوح، ونسجوا من ذواتهم سردًا سينمائيًا حيًّا، أخذوا عنه الإيمان بأن السيرة ليست مجرد انكشاف، بل مقاومة، وبأن الحكي ليس رفاهية، بل ضرورة للنجاة، الأفلام الأربعة المعروضة في برنامج يوسف شاهين إلى جانب “إسكندرية كمان وكمان” هي:

  • “نهلة – Nahla” عام 1979 للمخرج الجزائري فاروق بلوفة.
  • “السينما العربية الفتية – The Young Arab Cinema” عام 1987 للمخرج التونسي فريد بوغدير.
  • “عصفور السطح – Halfaouine” عام 1990 للمخرج التونسي فريد بوغدير.
  • “وداعا فوران – Bye-Bye Souirty” عام 1998 للمخرج المغربي داوود أولاد سيد.

رحلة مع الأستاذ: أثر شاهين في السينما العربية

في لقاء مفتوح لا يودّع، بل يستحضر، يقيم المهرجان جلسة حوارية تبحث في الأثر الذي تركه شاهين، لا كأيقونة، بل كعلامة استفهام مستمرة، كيف أثر في اللغة البصرية؟ كيف فتح الباب أمام سينما الاعتراف؟ وكيف ظل، رغم اختلاف الأزمنة، مرجعًا في تأمل الذات والوطن والعالم؟

يوسف شاهين، أحد أعمدة السينما العربية، شكّل أجيالاً من المخرجين الذين صاغوا لغاتهم السينمائية الخاصة، في هذه الجلسة، يتحدث كل من يسري نصر الله، داوود أولاد السيد، وفريد بوغدير عن أفلامهم الأولى، مسيرتهم الفنية، والأثر العميق لتجربتهم مع شاهين الذي لا يزال صوته الإبداعي يتردد في السينما العربية والعالمية، وبهذه المناسبة، صرحت ماريان خوري، المديرة الفنية لمهرجان الجونة السينمائي: “يوسف شاهين لم يكن مخرجًا فقط، بل كان حالة من التساؤل الدائم، الاحتفال بمئويته في مهرجان الجونة ليس مجرد تكريم لماضٍ مجيد، بل هو حوار متجدد مع إرثٍ لا يزال يُلهم أجيالًا من السينمائيين، نسعى من خلال هذه الفعاليات إلى إعادة اكتشاف شاهين لا كرمز فقط، بل كطاقة إبداعية حية تتجدد في كل من يؤمن بأن السينما قادرة على طرح الأسئلة ومقاومة النسيان.”

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري، ولذلك فإن جميع المقالات والأخبار والتعليقات المنشورة في الموقع مسؤولية أصحابها، وإدارة الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية أو قانونية عن محتوى الموقع، “جميع الحقوق محفوظة لأصحابها”.