
منذ اللحظة التي تم فيها العثور على جثة “الخبير المالي سيئ السمعة” معلقة بحبل في زنزانته، بدأت التساؤلات والشكوك تحوم حول ملابسات وفاته، فهل كان الأمر مجرد انتحار بسيط، أم أن هناك خفايا أخرى، خاصة مع وجود العديد من علامات الاستفهام، مما أثار سيلا من نظريات المؤامرة التي لم تهدأ حتى الآن
تزايدت الشكوك حول هذه القضية المثيرة للجدل، خاصة بعد ما وصفه المدعي العام السابق بيل بار بـ “عاصفة متكاملة من الإخفاقات” التي شهدتها تلك الليلة، حيث لم يكن لإبستين رفيق في الزنزانة، وكان الحارسان المكلفان بمراقبته في وحدة السكن الآمن غارقين في النوم ولم يقوما بجولات المراقبة الدورية، إضافة إلى أن كاميرا واحدة فقط كانت تعمل في ذلك الطابق، كل هذه العوامل زادت من تعقيد الأمور
كان من المفترض أن يؤدي الكشف عن 11 ساعة كاملة من تسجيلات تلك الكاميرا إلى دعم رواية الحكومة، والتي تشير إلى أن الإهمال وسوء الإدارة قد ساهما في انتحار أشهر سجين في البلاد، لكن ما حدث كان عكس ذلك تماما، فقد زادت هذه اللقطات من الغموض والإبهام بدلا من أن تلقي الضوء على الحقيقة
الفيديو الجديد: ما تم عرضه وما تم إخفاؤه
يشير المنتقدون إلى أن الفيديو الذي يمتد لـ 11 ساعة لا يمثل الصورة الكاملة، وأن الطوابع الزمنية تظهر أن هناك ما يقرب من ثلاث دقائق مفقودة، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أن هناك تلاعبا متعمدا قد حدث، فالأمر لا يزال قيد البحث والتحقيق
تحليل أجرته شبكة “CBS News” يناقض ادعاء بيل بار بأن اللقطات تظهر بوضوح أنه لم يدخل أحد إلى المنطقة القريبة من زنزانة إبستين قبل وفاته، هذا التحليل يفتح الباب أمام المزيد من التساؤلات حول حقيقة ما جرى
في الفيديو، يظهر جزء صغير فقط من السلم المؤدي إلى جناح إبستين، وقبيل الساعة 10:40 مساء في 9 أغسطس 2019، ليلة وفاة إبستين، شوهد جسم برتقالي يتحرك صعودا على السلم نحو منطقة إبستين، مما أثار الكثير من الجدل والتكهنات
التقرير الصادر عام 2023 عن مكتب المفتش العام، أشار إلى أن هذا الجسم هو حارس سجن يقوم بتوزيع أغطية السرير، ولكن هذا التفسير لم يقنع الجميع
خبراء في تحليل الفيديو راجعوا اللقطات لصالح “CBS” ورجحوا أن يكون الشكل لسجين يرتدي زيا برتقاليا يصعد السلم نحو جناح إبستين، وهذا الاحتمال يعزز من الشكوك حول ملابسات الوفاة
العثور على الجثة
تم العثور على إبستين في زنزانته في تمام الساعة 6:33 صباحا من يوم 10 أغسطس 2019، وكان هناك حبل برتقالي مصنوع من شرشف ملفوف حول عنقه، وفقا للتقارير الرسمية
كان إبستين ينتظر محاكمته بتهم فدرالية تتعلق بالاتجار الجنسي، بينما الطريقة التي انتحر بها لطالما أثارت حيرة الكثيرين، فالأمر لا يبدو منطقيا للبعض
تشير التقارير إلى أنه قام بربط الحبل في أعلى سلم السرير، ووضع الحلقة حول عنقه، ثم جثا على ركبتيه، وقد وُجد في وضعية انحناء إلى الأمام، بحيث سحب وزن جسده الحبل بقوة، وهو ما أدى إلى وفاته
هذه الطريقة ممكنة وتُشبه انتحار لورين سكوت، عارضة الأزياء وصديقة ميك جاغر السابقة، التي وُجدت مشنوقة من مقبض باب في شقتها بنيويورك عام 2014 باستخدام وشاح أسود من الساتان، مما يدل على أن هناك طرقا أخرى للانتحار مشابهة
تُظهر صور الأدلة في الزنزانة شرائط ممزقة من الشراشف البرتقالية في فتحات مختلفة بإطار السرير، كما تم العثور على شرشف ملفوف حول أحد درجات سلم السرير ومربوط عاليًا قرب السقف على شبكة معدنية تغطي نافذة الزنزانة، ما قد يشير إلى محاولات سابقة للانتحار في نفس الليلة، وهذا يزيد من احتمالية أن يكون إبستين قد أقدم على الانتحار بالفعل
تلف الأدلة
عند العثور على إبستين، قام الحارس مايكل توماس بقطع الحبل ورفعه من تحت ذراعيه ووضعه على أرض الزنزانة، ورغم أنه كان واضحا أنه فارق الحياة، إلا أن توماس حاول إنعاشه باستخدام الإنعاش القلبي، ووفقًا لتقرير مكتب المفتش العام، قال توماس: “تنفّس، إبستين، تنفّس”، مضيفا: “سنقع في مشكلة كبيرة”، مما يثير التساؤلات حول دوافعه
لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على مسرح الوفاة، فقد نُقلت جثة إبستين من قبل موظفي السجن، ولم تُلتقط أي صور للجثة داخل الزنزانة أو لوضعيتها عند الوفاة، كما دخل عدة أشخاص الزنزانة، من بينهم مسعفون، وهذا يعتبر إهمالا كبيرا في التعامل مع مسرح الجريمة
داخل الزنزانة، وُجد جهاز “CPAP”، المستخدم عادة لعلاج انقطاع النفس أثناء النوم، وعدة شراشف إضافية، وحبل ثانٍ لم يكن حول عنقه، وقد تم تسجيل هذا الحبل كدليل، وهذا يشير إلى وجود أدلة أخرى لم يتم تحليلها بشكل كامل
أشار البعض إلى أن خرطوم جهاز “CPAP” كان سيُشكّل وسيلة أفضل للشنق من الشرشف، مما يزيد من التساؤلات حول الطريقة التي اختارها إبستين للانتحار، وهل كانت هناك أسباب أخرى وراء ذلك
الذهاب إلى المستشفى
رغم وفاته أثناء الليل، تم استدعاء فرق الطوارئ ونُقل إبستين إلى المستشفى، وتُظهر صورة التُقطت له يوم 10 أغسطس 2019 من قبل مصور صحيفة “نيويورك بوست” ويليام فارينغتون، إبستين وهو على نقالة يُنقل إلى مستشفى نيويورك داونتاون من قبل عناصر الطوارئ، ويبدو أنهم كانوا يحاولون إنعاشه في تلك اللحظة، مما يؤكد على الجهود التي بذلت لإنقاذه
التشريح
أُجري التشريح الأولي من قبل مكتب الطب الشرعي في نيويورك بإشراف الطبيب الشرعي مايكل بادِن، بناءً على طلب شقيقه مارك إبستين، وذلك في محاولة للوصول إلى الحقيقة الكاملة
رأت الطبيبة الشرعية باربرا سامبسون أن الوفاة ناتجة عن انتحار شنقا، لكن بادِن أعرب عن دهشته من هذه النتيجة، مدعيا أنه والطبيب الشرعي الرسمي اتفقا على أن النتيجة غير حاسمة، مما يثير الشكوك حول صحة الاستنتاجات الأولية
قدم بادن صورة تُظهر أن إبستين أصيب بثلاث كسور في الرقبة، وهي إصابات يقول إنها تتماشى أكثر مع القتل منها مع الانتحار، وهذا يضيف بعدا آخر للتحقيقات، ويجعل الأمر أكثر تعقيدا
في عام 2024، أعد فريق من ستة أطباء شرعيين كبار تقريرًا حصريا لصالح صحيفة “نيويورك بوست”، حيث أعادوا فحص التشريح الكامل، وصور مسرح الجريمة، وجميع المعلومات المتاحة، بقيادة البروفيسور ويليام آر أوليفر من ولاية تينيسي، وذلك في محاولة للوصول إلى إجابات شافية
صنف أربعة من أعضاء الفريق القضية على أنها انتحار، بينما رأى اثنان أنها غير محددة بناء على المواد التي راجعوها، وهذا يدل على أن القضية لا تزال محل خلاف وجدل
أعرب الفريق عن وجود العديد من الأسئلة التي لم تجد إجابة، منها: لماذا لم تُجرَ تحاليل سموم أو فحص الحمض النووي داخل زنزانة إبستين، كما أشار الفريق إلى أن تقييمهم تأثر بغياب أدلة حاسمة، مثل صور الجثة في موقع الوفاة، مما يعيق الوصول إلى الحقيقة الكاملة
ما بعد الحادثة
قام الحارسان توا نُويل ومايكل توماس، المكلفان بمراقبة إبستين في تلك الليلة، بتزوير سجلات تفيد بأنهما قاما بجولات المراقبة طوال الليل، وهذا يعتبر خرقا للقانون وتقصيرا في أداء الواجب
وُجهت إليهما اتهامات جنائية، لكن بعد تعاونهما مع التحقيق، خُففت التهم إلى مخالفات بسيطة، ولم يتحدث أي منهما علنا عما حدث تلك الليلة، ولم يُكشف حتى الآن كيف حصل إبستين على الشراشف الإضافية أو من أعطاها له، مما يثير المزيد من التساؤلات حول ملابسات القضية
الجدول الزمني للأحداث
- 9 أغسطس:
- 8 صباحا: يُنقل زميل زنزانة إبستين في عملية نقل مُعدة مسبقا، ولا يُخصص سجين بديل.
- 12 ظهرا: تُفرج المحكمة عن مئات الصفحات من الوثائق الفدرالية في قضية تشهير تتهم إبستين وغيسلين ماكسويل بالاعتداء الجنسي.
- 4 مساء: تبدأ توفا نُويل نوبتها الأولى من مناوبتين متتاليتين في وحدة السكن الخاصة التي يُحتجز فيها إبستين.
- 7:49 مساء: يعود إبستين إلى زنزانته بعد زيارة مع محاميه، برفقة نُويل وحارس آخر.
- 10 مساء: يُقفل السجناء داخل زنزاناتهم.
- 10:40 مساءً: يظهر شكل برتقالي غير محدد، ربما شخص أو جسم يحمل شراشف، في الفيديو، وهي آخر حركة مسجلة قبل العثور على جثة إبستين.
- 10 أغسطس:
- 12 ليلا: يبدأ مايكل توماس نوبته الليلية مع نُويل، لم يتحقق أي منهما من إبستين، رغم تزويرهما لسجلات تفيد بالعكس.
- 6:33 صباحا: ينطلق الإنذار في وحدة السكن الخاصة بعد أن يجد نُويل وتوماس إبستين معلقًا، يحاول توماس إنعاشه باستخدام الإنعاش القلبي، فيما يصل طاقم السجن لنقله من الزنزانة.
جيفري إبستين، الخبير المالي الأمريكي الثري والنافذ، واجه اتهامات بالاتجار الجنسي بالقاصرات وتكوين شبكة لاستغلالهن لصالح شخصيات بارزة، أُلقي القبض عليه مرتين، الأولى في 2008 بعقوبة مخففة، والثانية في 2019 قبل أن يُعثر عليه ميتا في زنزانته بظروف غامضة، جرائمه شملت استدراج واستغلال فتيات قاصرات وإدخالهن في دائرة نخبوية من الزبائن
المصدر: “نيويورك بوست” + RT