قبل عشر سنوات، وتحديداً في مايو/ أيار 2015، غيرت شاحنة وقود محملة بالبنزين مسارها هربًا من الاشتباكات النارية حول ووسط مدينة تعز اليمنية، حيث كانت المدينة تعاني بالفعل من حصار مضروب من قبل مسلحي جماعة الحوثي، المصنفة كمنظمة إرهابية، وكان الاقتصاد اليمني في حالة انهيار، والأوضاع المعيشية تتجه نحو الكارثة، بينما كانت البلاد تشهد أزمة خانقة في المشتقات النفطية، وهذا ما جعل لشاحنة النفط التي دخلت المدينة قيمة مضاعفة من النواحي الإنسانية والاقتصادية والعسكرية.
نجت الشاحنة من الاشتباكات المباشرة، لكنها لم تسلم من تداعيات الحرب، إذ اندلعت النار في شاحنة البنزين وسط حي سكني حيث تعطلت، مما أدى إلى حرق أجساد عشرات المدنيين المتجمعين، في واحدة من أفظع المآسي الإنسانية التي شهدها اليمن على هامش الحرب.
سوق جديد
بدأت رحلة شاحنة البنزين مع بداية الحرب، حيث سعى الحوثيون إلى إحكام قبضتهم على تجارة النفط عبر قرار “تعويم المشتقات النفطية”، بعد إدراكهم لأهمية هذا المورد الذي يشكل ما يقارب 75% من إيرادات الموازنة العامة، وفقاً لوكالة سبأ الرسمية، مما دفعهم لمحاولة الوصول إلى منابع الإنتاج والتصدير، خاصة منشأة صافر في مأرب، لكن المقاومة المسلحة حالت دون ذلك، بينما تمكن الحوثيون من السيطرة على محافظة الحديدة الساحلية، ومينائها الاستراتيجي، ومنشآتها النفطية، وتمكنوا من السيطرة على السوق بشكل يخدم مصالحهم الاقتصادية، عبر تطويع آليات الاستيراد وخلق بيئة فساد من خلال التلاعب بالكميات وفرض جبايات تحت مسمى “المجهود الحربي”، إذ أضيفت خمسة ريالات على كل لتر وقود يدخل البلاد، وتزايدت الأزمات النفطية الخانقة، مما ضاعف معاناة المواطنين.
طريق إجباري
في تعز، اشتدت المواجهات بين مسلحي جماعة الحوثي وقوات المقاومة، حيث كان الحوثيون يسيطرون على تلال المدينة، مما جعل الشوارع الرئيسية تحت السيطرة النارية للجماعة، واستمر حصار الحوثيين على المدينة، مما فرض تدابير أدت إلى شل حركة المدنيين، وفرض قيود على دخول البضائع والمساعدات، وسط هذا الظرف المعقد، وصلت شاحنة الوقود المحملة بنحو 45 ألف لتر من البنزين، واضطر السائق لاستخدام مسارات غير اعتيادية خوفاً من الاستهداف، حيث توقفت الشاحنة في حي الضربة.
نجمت عن توقف الشاحنة محاولة لتفريغ الوقود، لكن سبعة مسلحين يمنعون إتمام العملية، بعد تدخل شخصيات من المقاومة الشعبية، وتفاقمت المشكلة، مما أضطر السيارات التابعة للمقاومة للخروج من المكان.
مأساة في قلب الحرب
مع احتدام الحرب، تفاقمت أزمة المشتقات النفطية، مما أدى إلى إقبال المواطنين على السوق السوداء، حيث ارتفعت أسعار البترول بشكل غير مسبوق، يقول أحد الضحايا: “كانت قيمة الدبة البترون 20 لتر تصل إلى 50 ألف ريال يمني”، وفي منتصف الليل، بدأت عملية تفريغ البنزين بطرق بدائية، لكن الواقع أن الأمور تحولت إلى كارثة، حيث اشتعلت النيران بشكل مفاجئ، مما أسفر عن وفاة عشرات الأشخاص.
احتدمت المعاناة خلال الساعات الأولى من صباح 25 مايو/ أيار 2015، ولم تُسجل أي إحصائيات دقيقة عن الخسائر، فيما وثقت منظمة سام 113 حالة، بما فيها 42 حالة وفاة، وفي توضيحات الضحايا، كان المشهد فظيعاً، حيث تُركت الجثث المحترقة في الشارع، ومرت أيام قبل التعرف على هويات بعض الضحايا.
فقدان الضحايا
مستشفى الثورة في تعز كان يعاني من ضغط كبير، فقد غادر معظم الأطباء بسبب قصف الحوثيين، مما أدى إلى نقص حاد في الكوادر الطبية، ومع تزايد عدد الضحايا الذين وصلوا المستشفى، كان هناك عجز كبير في المستلزمات، ويخوض الأطباء ظروف صعبة لتقديم الرعاية.
حالات الضحايا تجاوزت المعدلات المتاحة، وشهد المستشفى فقدان الأمل في إنقاذ العديد منهم، حيث توفي عدد من المرضى بعد الحادث.
الجاني المباشر
وفق إفادات، كان الجاني المباشر هو شخص يُدعى “حسونة”، الذي أضرم النار في الشاحنة بعد تهديد الآخرين، حيث غادر بعد الحادث إلى منطقة تسيطر عليها الحوثيين خوفاً من انتقام عائلات الضحايا.
غياب الإجراءات
بعد مرور عشر سنوات على الحادثة، أطلق أبناء الحي مبادرة لتحويل شاحنة الوقود المحترقة إلى خزان للمياه، لكن الآلام النفسية ما زالت تلاحقهم، حيث يعاني الضحايا حتى اليوم من آثار الحروق والمشاكل المالية، ويطالبون بالاعتراف بهم كضحايا، وفقاً لمطالبات منظمة سام التي دعت إلى تحقيق مستقل لضمان العدالة للأسر المتضررة.