يشهد العالم موجة من التضخم المستمر، مما أدى إلى فقدان الثقة في الأسواق المالية، وكشف عن غياب بدائل آمنة تحقق عوائد حقيقية، وسط تآكل الثقة في الأسهم والسندات الأمريكية، ليصبح الذهب هو المستفيد الأول من أي توتر سياسي أو مالي جديد، باعتباره المخزن الأول للقيمة المستقل عن الثقة المؤسساتية. ومع استمرار التحديات العالمية المعقدة،
يكتب الذهب فصلًا جديدًا في مسيرته التاريخية كملاذ آمن ووسيلة للحفاظ على القيمة في أوقات عدم اليقين.
في أكتوبر من عام 2025، سجل الذهب سعرًا أكثر من 4300 دولار للأونصة للمرة الأولى في التاريخ، محطماً جميع الأرقام القياسية السابقة، مما أثار تساؤلات حول مدى قدرة هذا الصعود الاستثنائي على الاستمرار.
بعد تجاوز حاجز 4000 دولار الأسبوع الماضي، لم يعد مستوى 5000 دولار حلمًا بعيد المنال، بل تحول إلى توقعات رسمتها كبرى البنوك العالمية في سيناريو قد يتحقق بحلول نهاية 2026.
وقود الصعود: الحروب التجارية تشعل الأسعار
يقول محمود جمال سعيد، محلل سوق المال والمستشار المالي، إن الذهب يشهد فصلًا جديدًا في تاريخه، حيث أصبحت 5000 دولار للأونصة هدفًا واقعيًا في الأفق المتوسط، وقد خلقت تداخل العوامل الجيوسياسية والاقتصادية والنقدية الحالية بيئة مثالية لاستمرار الزخم، رغم احتمال حدوث تصحيحات فنية قصيرة المدى.
وأضاف جمال أن قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100% على جميع الواردات الصينية، وقرار الصين بالرد بعقوبات على شركات أمريكية، يمثلان حافزًا قويًا لتحليق أسعار الذهب، حيث أعادت هذه التوترات التجارية القلق إلى الأسواق العالمية وأضعفت الشهية للمخاطر، مما عزز جاذبية المعدن الأصفر كملاذ آمن للمستثمرين.
ضعف الدولار وتوقعات خفض الفائدة
كشف جمال أن تراجع الدولار الأمريكي أمام العملات الرئيسية يتماشى مع التوقعات المتزايدة بأن الاحتياطي الفيدرالي سيستمر في خفض أسعار الفائدة، مما يقلل تكلفة الاحتفاظ بالذهب، ويثير طلبًا هائلاً من الصناديق الاستثمارية والبنوك المركزية، موضحًا أن هذه البيئة النقدية العالمية التيسيرية تعزز قوة المعدن الأصفر طالما ظل العائد الحقيقي منخفضًا والدولار تحت الضغط.
توقعات البنوك العالمية: 5000 دولار في الأفق
| البنك | التوقع |
|---|---|
| بنك أوف أمريكا | أسعار الذهب سترتفع إلى 5000 دولار للأونصة، مع متوسط سعر متوقع يبلغ 4400 دولار. |
| جولدمان ساكس | سعر الذهب سيصل إلى حوالي 5000 دولار إذا تضرر استقلال الاحتياطي الفيدرالي. |
| سوسيتيه جنرال | سعر الذهب قد يرتفع بمقدار 1000 دولار أخرى، متوقعًا الوصول إلى 5000 دولار بحلول نهاية 2026. |
تدفقات استثمارية غير مسبوقة
أشار المحلل المالي إلى أن بيانات بنك أوف أمريكا أوضحت أن تدفقات صناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب ارتفعت بنسبة 880% على أساس سنوي في سبتمبر 2025، لتسجل رقماً قياسياً بلغ 14 مليار دولار، كما ارتفع إجمالي حيازات الذهب المادية والورقية إلى أكثر من 5% من قيمة الأسواق العالمية للأسهم والدخل الثابت، أي ما يقارب ضعف حصتها السابقة.
محركات إضافية تعزز الصعود
يرى جمال أن البنوك المركزية حول العالم تستمر في زيادة احتياطياتها من الذهب كوسيلة للتحوط ضد تقلبات العملات وفقدان الثقة في الأصول التقليدية، حيث سجلت التدفقات حوالي 23 طناً أسبوعياً و100 طن شهرياً، وفقًا لسوسيتيه جنرال.
التضخم وفقدان الثقة في الأصول التقليدية.
في هذا السياق، يقدر جولدمان ساكس أنه في حال تدفق 1% فقط من سوق سندات الخزانة الأمريكية المملوكة للقطاع الخاص إلى الذهب، فسيرتفع سعره إلى ما يقرب من 5000 دولار للأونصة.
رغم النظرة الإيجابية السائدة، ينبه محمود جمال إلى عدة عوامل قد تعرقل صعود الأسعار، مثل القرار المرتقب للمحكمة العليا الأمريكية بشأن التعريفات الجمركية، وإمكانية تشدد الاحتياطي الفيدرالي في سياسته النقدية إذا تحسنت المؤشرات الاقتصادية، بالإضافة إلى نتائج انتخابات التجديد النصفي الأمريكية العام المقبل، والتي قد تؤثر على تنفيذ السياسات المالية للإدارة.
