«جيل الغد يبدأ بك» : دعوات لتعزيز دورات تأهيل الوالدين قبل الإنجاب

أشعر بالأسف العميق لما شهدته مدرسة ثانوية في محافظة القليوبية هذا الأسبوع، حيث تجرأ طالب على الاعتداء على أحد معلميه في ساحة المدرسة وأمام مرأى الطلاب، ومزق ملابسه علنًا، والسبب؟ مجرد اعتراض المدرس على إدخال وجبة “ديلفري” طلبها الطالب إلى الفصل أثناء الدرس!

مما دفع المدرس، بعد الاعتداء، إلى إبلاغ إدارة المدرسة، التي بدورها أحالت الطالب للتحقيق واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، زاد أسفي حين حضر ولي أمر الطالب معترضًا على التحقيق مع ابنه، بل وتطاول على مديرة المدرسة والوكيل بألفاظ نابية وقذف، مدافعًا عن فعل ابنه “المصون” ضد المدرس الذي يقوم بتعليمه!.

أتذكر وأنا أكتب هذا، مشهدًا من أيام دراستي الإعدادية، حين اعتدى طالب على زميله، فقامت المدرسة بمعاقبته واستدعت ولي أمره لإطلاعه على سلوكه المشين، كان استدعاء ولي الأمر كابوسًا للطلاب، لأن ولي الأمر كان دائمًا سندًا للمدرسة التي ائتمنها على تربية وتعليم ابنه.

أتذكر جيدًا كيف كان ولي الأمر يعاتب المدرسة على استدعائه، مؤكدًا لهم أنه لن يعترض أبدًا على أي عقاب يوقعونه على ابنه لتربيته وتعليمه، ومشددًا على أن المدرسة أحرص عليه منه، ولهذا أرسله إليها ليتربى بشكل سليم وتبني شخصيته بناءً قويمًا، وهذا الأهم من التعليم نفسه.

### فصل الطالب لمدة عام دراسي كامل

أثمن قرار الوزارة بفصل الطالب لمدة عام دراسي كامل، وإحالة تعدي ولي الأمر بالسب والقذف على مديرة المدرسة ووكيلها إلى النيابة العامة لاتخاذ ما تراه مناسبًا، هذه الواقعة المؤسفة ليست الأولى من نوعها في مدارس أخرى على مر السنوات.

حيث استباح بعض أولياء الأمور حرمة المدارس واعتدوا على الإدارة أو المدرسين نصرة لأبنائهم، عندما حاولت المدرسة تقويمهم بطريقة لم ترق لولي الأمر، الذي ترسخ في ذهنه أن المدرسة لا يجب أن تقترب من ابنه مهما أخطأ!.

وللأسف، بعض أولياء الأمور يغرسون هذا المفهوم في نفوس أبنائهم، مما أدى إلى واقعة الاعتداء الوحشي على المدرس لمجرد أنه عنفه ومنع دخول الطعام أثناء الحصة، عندما كنا طلابًا، كانت المدرسة بالنسبة لنا كالجامع، نتعلم فيها الصواب والخطأ، الحلال والحرام، احترام الآخرين، مساعدة المحتاج، وتقدير كل من يأخذ بأيدينا نحو الأفضل، وعلى رأسهم المعلم الذي يغرس فينا هذه القيم.

كنا نرى في المعلم قدوة مثالية، ونتمنى أن نكون مثله لنحظى بالاحترام لمكانتنا المتميزة في المجتمع بفضل العلم والتربية، ولكن في السنوات الأخيرة، انقلب الحال، وأصبح الطالب لا يذهب إلى المدرسة في معظم الأحيان بسبب الدروس الخصوصية، وفقدت المدرسة دورها التربوي والتثقيفي وبناء الشخصية، مع أن مسمى الوزارة هو “التربية” ثم “التعليم”، وهو الترتيب الصحيح، ولهذا نشاهد أجيالًا لم تترب في المدرسة، واهتمت فقط بالتدريب على تحصيل الدرجات في مراكز الدروس الخصوصية، دون تلقي أي قيم أو مبادئ مثلى، وأصبحوا لا يعرفونها بل يعرفون فقط لغة الشارع، وانعدم تقدير الطالب للمعلم الذي قال فيه الشاعر “قم للمعلم وفه التبجيلا، كاد المعلم أن يكون رسولا”.

ومن هنا، وجدنا نوعية من آباء هذا الجيل الذين لم يحصلوا على التربية المناسبة في المدرسة، وأصبحوا آباء لجيل أسوأ، لا يعرف شيئًا عن التربية، ولهذا وجدنا ولي الأمر هذا الذي لم يشارك في تربية أبنائه بشكل صحيح، لأنه فاقد الشيء لا يعطيه، ويرى النجاح في التعليم فقط هو حصول ابنه على شهادة من خلال الدروس الخصوصية التي تنعدم فيها الجوانب التربوية، لأنها ليست من مهامها، وتؤمن بأن دورها هو تدريب الطالب على كيفية تحصيل الدرجات فقط.

### ثقافة الشارع

من هنا، وجدنا أولياء أمور لم يحصلوا على أي قسط من التربية في المدرسة، وبثقافة الشارع نقلوها إلى أبنائهم، ووجدنا مثل هذا السلوك من جانب هذا الطالب الذي اعتدى على معلمه، ووجدنا ولي الأمر يناصر ابنه ويتهجم على المدرسة ويعتدي بالسب والقذف على المديرة والوكيل.

أسأل ولي الأمر الذي قام بهذا الفعل المشين: هل لو كان هو نفسه مكان هذا المدرس، هل كان سيقبل أن يفعل معه طالب ذلك؟ كيف سيكون شعوره لو كان مكان المدرس بعد الاعتداء عليه وتمزيق ملابسه أمام الجميع؟ وهل هذه هي العلاقة التي يجب أن تكون بين الطالب والمعلم؟ وما هو دور المدرسة في مثل هذه الحالات؟

هل تترك المدرسة مثل هؤلاء البلطجية داخلها، أم يتم فصلهم لفترة طويلة لكي يقوم أولياء الأمور بتربيتهم بطريقتهم الخاصة التي ستؤدي بهم إلى الانحراف والسجن؟

أشيد بتصرف الوزارة تجاه الطالب وولي الأمر بإحالة الأمر للنيابة العامة لتطبيق القانون وتربية ولي الأمر الذي أثبت أنه فاقد للجانب التربوي السليم، لأنه لم يرتد للمدرسة حتى تقوم بتربيته بشكل صحيح.

ما حدث هو جرس إنذار لنا جميعًا، يجب أن نفيق من غفوتنا ونقدر دور المعلم والمدرسة إذا كنا نريد تربية أبنائنا بشكل صحيح، خاصة بعد أن بدأت وزارة التربية والتعليم في وضع ضوابط تحمي معلميها وطلابها، وهي ضوابط كانت موجودة من قبل ولكنها لم تكن مفعلة بشكل جيد، تحية لوزارة التربية والتعليم في محاولاتها لإعادة الانضباط إلى المدرسة.