دخلت محادثات تمويل العمل المناخي المرحلة الأكثر صعوبة مع اقتراب المؤتمر التاسع والعشرين بأذربيجان من نهايته غدا الجمعة. وقدمت أذربيجان التي تترأس قمة الأمم المتحدة للمناخ "كوب 29"، اليوم الخميس الساعة الحادية عشر بتوقيت القاهرة، مسودة اتفاق أولية تتضمن تمويلا بقيمة لا تقل عن تريليون دولار، إلا أن التفاصيل الرئيسية حول مصادر توفير هذا التمويل لا تزال بحاجة إلى التوضيح مما أثار جدلا واسعا في أروقة المؤتمر. ومع أنه لا يبدو أن المسودة قد نالت رضا الأطراف المشاركة، إلا أنها أعادت بعض الآمال إلى غرف المفاوضات التي كان قد تسرب إليها الإحباط خلال الساعات الماضية بحسب مفاوضين، موضحين أن حجم النجاح يتحدد بحجم الأموال التي يتعين تقديمها للدول النامية لمساعدتها على التعامل مع تغير المناخ. وأشار مراقبون مطلعون على الكواليس إلى أن مصر وأستراليا قد يساهمان في تحقيق الانفراجة المرتقبة.
ومن المقرر أن تحلّ الحصيلة المتوقعة للتمويلات (تريليون دولار)، وفقا لمسودة الاتفاق، محلّ تلك التي تعهدت الدول الكبرى بتقديمها في 2020 بقيمة 100 مليار دولار، والتي استغرقت سنتين من أجل الوفاء بها. وكانت الدول النامية قد طالبت خلال الأسبوع الأول من المفاوضات بما لا يقل عن 1.3 تريليون دولار سنويا تمويلات من الدول الغنية للعمل المناخي، دون أن تصدر الدول الغنية ردود أفعال تذكر حول هذا المقترح. لكن مراقبين ذكروا أن هذا الخيار غير واقعي بالنسبة إلى العديد من الدول الغنية التي تتبنى التقشف في الميزانيات الراهنة.
ونفى مفوض المناخ بالاتحاد الأوروبي، فوبكه هوكسترا، ما تردد حول إعلان الاتحاد عن تمويلات تصل إلى 300 مليار دولار. وحول مسودة الاتفاق، أوضح هوكسترا أن المشروع غير مقبول في صيغته الحالية مطالبا مع زملائه الأوروبيين بمزيد من التعهدات من أجل خفض انبعاثات غازات الدفيئة المتسببة فيها الدول المنتجة للنفط والتي تعرقل جهود التكيف المناخي. ومع ذلك، يشير مراقبون إلى أن الاتحاد الأوروبي مازال يلعب دورا محوريا في التوصل إلى الاتفاق النهائي، ليس فقط باعتباره المساهم العالمي الأكبر في تمويل تحركات المناخ ولكن أيضا بفضل قدرته على التواصل والتفاوض مع كل من الولايات المتحدة والصين، خاصة بعد اعتراضهما على نص المسودة المقترح من الرئاسة الأذربيجانية.
وكشفت المسودة المكونة من عشر ورقات، واطلعت "تحيا مصر" على بعض صفحاتها، أن هناك خيارين أساسيين لتحقيق الهدف التمويلي الجديد، أي تريليون دولار. الأول ويعكس وجهة نظر الدول الغنية ويتيح لها مزيدا من الوقت لرفع التمويل تلقائيا وبشكل تدريجي يغطي عشر سنوات بين 2025 و2035، لكن من دون تحديد المبلغ سنويا وأيضا من دون تحديد الحصة الواجبة على الدول المتقدمة حتى 2035.
أما الخيار الثاني في مشروع الاتفاق فيعكس وجهة نظر الدول النامية، ويطالب بتوفير مليارات الدولارات سنويا من الأموال العامة لدول مجموعة العشرين (23 دولة هي الأغنى في العالم) للوصول إلى المبلغ الإجمالي المطلوب مع حلول 2035 لاسيما الولايات المتحدة وأوروبا واليابان؛ بالإضافة إلى أموال خاصة في شكل هبات ومنح وليست قروضا. وسيتيح الخياران للدول الغنية بما في ذلك تلك غير المانحة حاليا الالتزام بتقديم الدعم، كما تتولى الدول المتقدمة قيادة المبادرة لتحقيق الهدف الجديد. كما سيكون أمام البلدان النامية المساهمة في الدعم التمويلي طواعية.
مع ذلك، ظلت العديد من التفاصيل المهمة في المسودة بدون تحديد، مما يفتح الباب أمام المزيد من الخلافات خلال الساعات المقبلة. كما أن حجم التمويل في شكل قروض أو منح ذات التكلفة المنخفضة ظل غير محدد. لكنّ مندوبين قريبين من سير المفاوضات أشاروا إلى وجود خيار ثالث في جعبة كل من مصر وأستراليا، ويمثلهما الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة والأسترالي كريس بوين، وهما "دينامو" المفاوضات ومكلفان بتقريب المواقف بين دول الشمال ودول الجنوب، ويُرجّحُ أن يكونا قد عرضاه اليوم على الأطراف المختلفة ومازالت تفاصيله في طي الكتمان، مع توقعات بأن يحظى بموافقة تحالف مجموعة الجنوب (77+الصين) الذي يضم 134 دولة، حيث سبق أن أعلن مندوب أوغندا أدونيا أيباري، إحدى دول هذا التحالف، عن ضرورة ضخ الاتحاد الأوروبي واليابان والولايات المتحدة تمويلات لا تقل عن 500 مليار دولار سنويا حتى 2030، من أجل التكيف المناخي، مشددا على ضرورة "ألا نغادر باكو من دون تحديد رقم واضح للتمويل".
وسوف يتضح مصير الخيار الثالث "المنقذ" لمسودة اتفاق المناخ بقيادة مصرية أسترالية مع الساعات المقبلة وقبل دقّ جرس النهاية غدا الجمعة لاختتام المؤتمر التاسع والعشرين في باكو بأذربيجان.
0 تعليق